هل جزاء الإحسان إلا...؟
جلس أحمد على شرفة منزله في صباح يومٍ صيفيّ لطيف... تأمّل أمواج البحر وتنشّق رذاذه فشعر بحبّ البحر يجري في عروقه. تأبّط منشفته وانطلق مسرعًا نحو البحر بعد أن استأذن أبويه.
مرّت الساعات وأحمد لا يزال يسبح ويلعب، وعندما دنت الشمس من الأفق، جلس على الشاطئ متأملًا منظر الغروب. وبينما كان على حالته تلك، سمع صوتًا يشبه الصفير. كان الصوت صادرًا من البحر. تمكّن رغم حلول الظلام من رؤية شيء يطفو على مسافة قريبة. سبح أحمد بسرعة نحوه، فإذا به يكتشف دلفينًا صغيرًا، ينزف بغزارة ويصيح من الألم! أمسك أحمد الدلفين وعاد به مسرعًا إلى منزله.
نظر والد أحمد إلى الدلفين وقال بشفقة: «يبدو أن الدلفين المسكين قد تعرّض لهجوم سمكة قرش! انظروا إلى زعنفته الممزقة!».. تناولت والدة أحمد الشّاش ولفّته حول الزعنفة كي توقف النزيف، ثم وضعته في حوض به القليل من الماء. وفي اليوم التّالي ذهب أحمد مع والده إلى عيادة الطبيب البيطري، فخاط له جرحه وعقّمه جيدًا ثم نصح أحمد بأن يبقيه عنده وأن يطعمه السمك ريثما يتماثل للشفاء.
فرح أحمد كثيرًا بهذا الاقتراح، وأصبح يقوم برعاية دلفينه الصغير كلّ يوم، وأطلق عليه اسم «دودو» وصار يلاعبه دائمًا حتّى أصبح دودو معتادًا عليه وأصبحا صديقين حميمين، فما إن يدنو أحمد من دودو حتى يبدأ الدلفين بتأدية الحركات البهلوانية ابتهاجاُ بقدومه، كما أنّه كان يصدر صفيرًا مميّزًا عند رؤيته لأحمد، فأطلق على هذه الصفرة «صفرة الأصدقاء».
الْتأم جرح دودو أخيرًا وأصبح بأفضل حال. وذات ليلة خاطب والد أحمد ابنه قائلًا: «يا بنيّ، البحر هو المكان المناسب لدلفينك! أنا أعرف مقدار حبّك له، ولأنك تحبّه عليك أن تختار مصلحته...».. طأطأ أحمد رأسه وقد اغرورقت عيناه بالدموع: «معك حقٌّ يا أبي، غدًا سأذهب به إلى البحر...».
كان الفراق صعبًا جدًّا على أحمد، ولكنّه القرار الصائب بلا شكّ. ثم تأقلم بعد ذلك، إلّا أنه لم ينسَ دودو أبدًا. كبر أحمد وأصبح شابًّا قويًّا، ولم يتغيّر حبّه للبحر، فكان يقضي معظم إجازاته في البحر. وذات مرّة، وبينما كان يقوم برحلة بحريّة طويلة على متن زلّاجته، لم ينتبه لوجود صخورٍ ناتئة أمامه، فاصطدمت بها زلّاجته وتحطّمت ووقع عنها بشكلٍ عنيف، فوجد نفسه جريحًا وحيدًا في وسط البحر.
تمسّك أحمد بقطعة من حطام زلّاجته، وتفقّد جرحه فوجده بحالة سيّئة، وفجأة شعر بجسمٍ باردٍ يلمس قدمه، فتسمّر في مكانه من شدة الخوف، وبدأ ذلك الجسم بالصعود، فسمعه يصدر صفيرًا معهودًا! إنّه «صفير الأصدقاء»!
بعد الغروب، أقبل والد أحمد مسرعًا نحو الشاطئ، فوجد أحمد جالسًا على الرمال يتأمل المحيط والابتسامة على ثغره. سأله والده بقلق: «أين كنت؟ هل أنت بخير؟» ولكن أحمد لم يجبه وظلّ نظره مشدودًا نحو المحيط، فجلس الوالد بقربه ونظر إلى حيثما ينظر، فإذا به يرى دودو يقوم بحركاته البهلوانية المعهودة! عندها قال أحمد: «لقد أنقذني دودو يا أبي! سبحان الله، لم ينسَ فضلي عليه!».. ابتسم الوالد وقال وهو يربّت على كتف أحمد: « هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان؟...».
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن