إسمي زهرة..
يوم بعيد حاضر اختارتني المعلِّمات طالبةً مثالية، ففَرِحت كثيرًا، وأحببت المدرسة والمعلِّمات، وأحببت كالعدل أكثر منهنَّ.
لكنهن! سرعان ما عَدَلْنَ وغيَّرن رأيَهن، واخترن غيري، ليس لأنني لم أَعُد مثالية؛ بل لأنه لا يَحِق لي ذلك! فأحزنني شعورٌ لم أميِّزه لصغر سني، عَرَفت لاحقًا أنه الظلم!
أردتُ دخول الجامعة، قرَّرت دخول تلك الكلية، لكنهم قالوا لي: ألا تعلمين أنه لا يحق لك؟ عليكِ بهذه أو هذه! ولم يشفع لي معدلي العالي في حق الاختيار!
ثم فتح الله لي بابًا خاصًّا من أبواب العمل، فنجحتُ نجاحًا لم أكن أنا نفسي أتخيله، فسعدت أيَّما سعادة، ورَضِيت عن نفسي وعن ربي، وحَمِدته وشَكَرت فضله، وانسجمت، فأخذت أخطِّط وأبنِي حسب أهدافٍ مدروسة، وبناء على نصائح المختصين في هذا المجال و.....
وبين عشيَّةٍ أو ضُحَاها، وبعد أن سَرَقوا أفكاري، قالوا لي مرة أخرى: شكرًا لكِ، ونعتذر إليك؛ فإنه لا حقَّ لك في الاستمرار!
لكن الله -سبحانه وتعالى- أكبر، وعندما يقدر شيئًا يصبح حقًّا، وإن قالوا: لا يحق!
بفضله -سبحانه وتعالى- تعدَّدت مواهبي، ففتح لي ذلك فتوحات لا يمكن لأحد أن يمنعني عنها؛ لأنه لا بديل عني، ولا أحد يعرفها مثلي، وإنه النصر من الله من جديد!
بعد سنوات من العمل الجادِّ المسؤول، تعبت كما يتعب الناس! وبناء عليه وحسب القوانين الطبيعية، فإنه بعد سنوات طويلة من العطاء والخبرات، فإن الارتقاء في المنصب مطلب ضروري؛ ليستمر عطاؤك، ويُستَفاد من خبراتك، ويَتعلَّم منك غيرُك! عَرَفت هذه المرة -وحدي- أنه لا يحق لي قبل أن يقولوها! فتركت العمل؛ لعدم القدرة على الاستمرار في نفس المكان والمنصب بنفس الجودة، والله محاسبني! فكان أن قرَّرت ونفَّذت.
لكن -وبعد فترة قصيرة- أقلقتْ أفكارٌ كثيرة نومي، وآلمتني قيودٌ على طاقات ما زالت داخلي، ما زال لديَّ الكثير من التجارِب، والخبرات، والأفكار الجديدة والأصيلة، ما زال شعاع النشاط داخلي مضيئًا!
وما الحل؟ أعود إلى نفس العمل؟ لا يحق لي أن أخرج وأعود! لا يحق لي أن أقرِّر ثم أعود عن قراري!
ولأنني زهرة ولستُ كرسيًّا؛ فكَّرت! فكرت في مشروع مهم، وعَرَضته على البعض، لكن أحدًا لم يبادر؛ فأصحاب الأموال يشجِّعون ما يدرُّ عليهم مالاً في المقام الأول، والثاني، والثالث، ثم قد يفكِّرون في أهداف أخرى، وكانت مشاريعي تَهدف إلى ما ينفع فكر الناس، ثم المال، ومن جهة أخرى لم أكن أملك مالاً! أملك فكرًا، وأمانة، وحماسًا، وإبداعًا، ومهارة، ومواهبَ، وكلها رؤوس أموال لا يعترف بها أصحابُ الأموال!
ماتت مشاريعي التي ما كانت حية إلا في رأسي، ودفنتها وأنا أعتذر لها: "سامحيني؛ فإنه لا يحق لي!"، وأينما تلفتُّ أو اتجهت فلا يحق لي! قد يسألني سائل: لماذا؟ ماذا فعلتِ؟ أجيب: لا أدري، لا تسألوني؛ لأنه لا يحق لي أن أقول.
لا، لستُ مجنونة ولا مخبولة، أنا زهرة، قلت لكم منذ البداية!
نعم، وما زلتُ زهرة تبحث عن ثقب منسي وسط مساحات شاسعة من عدم الاستحقاقات، ما زلتُ زهرة تنبض بحياة مخنوقة.
ما زلتُ أحنُّ إلى وطن!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن