السويدي محمد كنوت بارنستروم.. مفسِّر من عبق التاريخ
أجلس وبيدي نسخةً من ترجمة القرآن الكريم للّغة السويدية أُقلّبها وأتصفّحها متأثراً بعِظم هذا الجهد غير العادي الذي قام به السويدي محمد كنوت بارنستروم "Mohammed knut bergstrom" رحمه الله رحمة واسعةً، ولو عاش هذا الرجل قبل أو في زمن الإمام الذهبي لحظي بلا أدنى شكّ بترجمة واسعة في كتابه الحافل "سِير أعلام النبلاء" ولذكَرَه أهل هذا الفن والاختصاص في كتبهم لا كمترجماً وحسب بل كأحد المفسرين المعاصرين والله أعلم.. ولكنه عاش في زمن انشغل فيه المسلمون – إلا من رحم الله – بأخبار الفنانين والفنانات والمطربين والمطربات حتى أصبحت البلاد تُعرفُ وتُنسبُ لأهل الفن والطرب والرقص والغناء.. ولكن حسبه أن يتقبل الله تعالى منه ما قدّم من خدمة لدين الله تعالى نسأل الله تعالى له ذلك .
مولده ومناصبه :
ولد محمد كنوت بارنستروم بتاريخ 22-10-1919 في قرية saltsjobaden في السويد، وعمل كدبلوماسي في وزارة الخارجية السويدية لمدة أربعين سنة، عمل خلالها في اسبانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي، وأمريكا، والبرزيل، وكولومبيا، وفنزويلا، وأخيراً سفيراً للسويد في الرباط في المغرب بين الأعوام 1976-1983م، ثم طلب التقاعد لأسباب صحية .
إسلامه :
أعلن بارنستروم إسلامه عام 1986م واختار لنفسه اسم "محمد"، وذلك بعد رحلة طويلة من التعرف على الإسلام من مصادره الأصيلة في الفترة التي قضاها في المغرب كسفير لبلده السويد، ولقد اعتنق بارنستروم الإسلام فعلياً قبل ذلك التاريخ ولكنه آثر أن يخفي ذلك لحين الانتهاء من مهمته الدبلوماسية ويرتب بعض أموره قبل الإعلان الرسمي والعلني، ويُذكر عنه أنه قرأ الآية القرآنية: (من شر ما خلق) في سورة الفلق فوقعت في نفسه وتأمل فيها وقال لنفسه: "أنا منذ زمن بعيد ونفسي تقول لي إن الكنيسة تعلّمني أن الخير من الله وكنت اتساءل فمن خلق الشر؟ ولكني لما قرأت الآية واضحة في القرآن الكريم أصبح عندي توازن فكانت سبب هدايتي". ولقد تأثَّر كثيراً بكتاب الله تعالى وعكف على قراءته ودراسته دراسة معمقة .
خدمته لكتاب الله تعالى :
أحس محمد بارنستروم بمسؤولية عظيمة تجاه تبليغ الإسلام لقومه ووجد أن أفضل خدمة يمكن أن يقدّمها هو أن يلبّي الحاجة الماسة لترجمة كتاب الله تعالى المصدر الأول للتشريع للغة بني قومه ترجمةً معتبرةً بعيدةً عن شُبهات المستشرقين ودسائسهم، حيث أراد أن يسد ثغرة ويترك خلفه عملاً مثمراً يلقى به الله تعالى، وانشرح صدره لذلك أثناء تأديتة لفريضة الحج. وفي ذلك يقول رحمه الله: (أحسستُ بمسؤولية ثقيلة على كاهلي بعد اعتناقي الإسلام؛ تجاه ربي أولاً، وتجاه المسلمين في بلدي السويد ثانيًا، سواء ممّن هاجروا إليها من العالم الإسلامي أو من اعتنقوا الإسلام فيها، فهم بحاجة جميعًا إلى ترجمة صحيحة ودقيقة لمعاني القرآن الكريم، ولا سيما في نشاطاتهم الدعوية، وشعرت أن هذه المهمة تقع على عاتقي أنا خاصة؛ لأني الأكثر تأهلاً لها، ومن هنا بدأتُ وقررتُ تعلّم لغة القرآن بهدف ترجمة معانيه على أكمل وجه ممكن، وكنت أواجه في أثناء الترجمة مصاعب جمّة وعقدًا مُستحكمة أحيانًا، وكانت المصاعب تتذلل واحدة بعد أخرى، ويفتح الله سبحانه وتعالى أمامي سُبُل النجاح والهداية والتوفيق حتى تمت الترجمة). وقد لقِيَت هذ الترجمة المباركة من المسلمين في السويد قَبولاً حسناً، وانتفع بها خلق كثير ببركة جهده وإخلاصه وإتقانه نسأل الله أن يتقبل منه ذلك .
ولم يكتف محمد كنوت بهذه الترجمة بل عكف في آخر أيامه على ترجمة السُّنة النبوية المطهرة وابتدأ بصحيح الإمام مسلم إلا أن الله تعالى توفاه قبل أن يتم ذلك .
وفاته !
توفي محمد كنوت بارنستروم بتاريخ 21-10-2009 عن عمر يناهز 89 عامًا، ولقد عمّ الحزن الجالية الإسلامية في السويد التي عرفته من خلال ترجمته لمعاني القرآن الكريم، بينما تجاهل الإعلام السويدي والعالمي خبر وفاته، ولا يضيره ذلك بإذن الله فقد ترك خلفه إرثًا قرآنيًا عظيمًا نسأل الله تعالى أن يكون ذخراً له عند الله، ونبراساً يهتدي به المسلمون في السويد .
المصدر: موقع القرآن لك
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة