دكتوراه لغة عربية ودراسات إسلامية | لبنان
لعلّ الأوزاعي قد أخطأ

من أشهر القصص التي تروى في حياة الإمام الأوزاعي، الذي توفي عام 157 للهجرة، والذي وُلِد في بعلبك وعاش في البقاع، ثم انتقل إلى بيروت، أنّ والي بيروت صالح بن علي العباسي، شهد عهده نقض بعض نصارى لبنان لعقد الذمة، حيث شكلوا عصابة مسلحة، وكانوا عينًا للبيزنطيين النصارى. استغلوا وجود أسطول بيزنطي في ساحل لبنان، وهجموا على الآمنين. عمل الوالي على القبض عليهم ومعاقبتهم، ثم اتخذ قرارًا بنفي سكان القرى من المسيحيين. عارضه الإمام الأوزاعي وكتب له رسالة يحذره فيها من هذا الفعل، مبينًا له أنه لا يجوز أن يُعاقب مجموعة كبيرة بجريرة ارتكبتها مجموعة صغيرة منهم، فإن 'لا تزر وازرة وزر أخرى'، وأنه لا يجوز أن يُظلم ذمي، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك. انتهى الوالي العباسي عن هذا الفعل وتراجع عن قراره.
هذا الفعل من الأوزاعي هو أشهر أعماله، وصارت رسالته هذه محل احتفاء عند المسلمين والنصارى، واصفين إياه بأنه إمام الاعتدال وقبول الآخر والمدافع عن حقوق الإنسان.
بالنسبة لي، الإمام الأوزاعي هو أكثر مما وصفوا، وهو إمام عظيم وشيخ من شيوخ الإسلام، ولكن فعله هذا أسجل عليه ملاحظتين:
الأولى:
إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أجلى اليهود من المدينة إثر محاولتهم اغتياله، فإنه قد أخذ العامة بذنب خاصة، إذ لا يعقل أن تكون قبيلة بني النضير اليهودية قد اشتركت كلها في محاولة الاغتيال، ومع ذلك أجلى القبيلة كلها، فإن الشر فيهم متأصل والسوء عندهم مستوطن، والحية لا تلد إلا حية.
الثانية:
لم يتسنَّ لي مراجعة تاريخ الأقليات في بلاد الشام بشكل واف، لكني اطلعت على طرف منه، فرأيتهم عبر العصور أداة للتخريب ويدًا للفتنة، ومحطة للقلاقل، ومحلاً للأذى، وعينًا لأعداء الإسلام من الصليبيين والتتار والصهاينة، وذريعة لتدخل أعداء المسلمين من الإنكليز والفرنسيين في شؤون دولة الإسلام.
وها نحن نعيش هذه الأيام فصلًا من فصول خيانة الأقليات، حيث يرى العلويون في سوريا، ومثلهم الدروز والنصارى، أن حكم الصهاينة مصاصي الدماء وقتلة الأطفال، ونقض العهود، هو أهون من أن يحكمهم مسلم سني، حتى ولو كان عادلاً طيبًا متساهلاً متعاونًا.
إن هذه الأقليات بمختلف أشكالها وتعدد أفكارها جميعًا شكلت ولا تزال خناجر مسمومة في جسم دولة الإسلام قديمًا، وتشكل اليوم حصان طروادة لكل من يفكر في إثارة القلاقل داخل دول المسلمين.
رحم الله الأوزاعي، وأظنه لو شهد ما فعله هؤلاء الذين دافع عنهم لتراجع عن فتياه، ولأمر بنفيهم جميعًا، لأن بتر عضو من جسم الإنسان يصبح واجبًا عندما تصبح حياة الكل مهددة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
لعلّ الأوزاعي قد أخطأ
الطريق المأمول.. حتى لا نصير كالعجل المأكول!
التغطية مستمرة... لكن الأرواح غادرت
سر الثبات في الحياة وعند الممات
بذور الحقول المعجميّة في التّراث العربيّ