ماجستير دراسات تربوية
الاستعداد للعام الدراسي الجديد: كيف نحمي أولادنا من التنمر؟

مع بداية العام الدراسي ينشغل الأهل بالتحضيرات المعتادة من شراء الكتب والقرطاسية والثياب المدرسية، غير أنّ الاستعداد النفسي والسلوكي غالبًا ما يغيب عن هذه التحضيرات. ففي الوقت الذي يركز فيه الأهل على الجوانب المادية يغفل الكثيرين عن الجوانب النفسية والاجتماعية والتربوية والتي لا تقل أهمية، بل قد تكون أساس نجاح الطفل في المدرسة.
لقد رأيتُ بأم عيني كيف يمكن لكلمة سخرية صغيرة من ملبس أو نوع طعام أو شكل وجه أن تترك أثرًا عميقًا في نفس الطفل أو المراهق. بل أنّ بعض الطلاب يأتون باكين ويرفضون العودة إلى المدرسة لأنهم أصبحوا عرضة للتنمر المتكرر.
وهنا أقول بكل وضوح نحن الأهل والتربويين نستطيع أن نقي أباءنا من هذه الجراح النفسية إذا بدأنا من البيت.
ولكن ما هو التنمر؟ التنمر هو أكثر من مجرد " مزحة ثقيلة"، هو سلوك متكرر يتضمن استهزاء أو سخرية أو إقصاء أو حتى ضربًا أو إيذاءً نفسيًا، أحيانًا يأتي في شكل كلمات جارحة: " أنظر الى شكله ... أنظر إلى طعامه ... إلى ملابسه..." وأحيانًا في شكل عزلة أو إقصاء " لا تلعبوا مع فلان.."، وأحيانًا أخرى عبر مجموعات الواتس أب أو شبكات التواصل الاجتماعي.
التنمر يؤلم لأنه يضرب الطفل والمراهق في عمق ثقته بنفسه، فيجعله يشعر أنه أقل من الآخرين. وهذا ما لا أريده أن يعيشه أي طال في مدارسنا.
من هنا تبدأ المسؤولية. بعد أن ندرك خطورة التنمر وأثره السلبي، لا بد أن نسأل من المسؤول عن حماية الطفل؟ الحقيقة أن المسؤولية مشتركة، لكن دور الأهل يبقى الأساس، فهم الدرع الأول الذي يواجه به الطفل هذه المواقف.
وهنا أسمح لنفسي من خبرتي كتربوية أرافق الطلاب يوميًا، أن أوجه كلمة مباشرة إلى الاهل: أنت الدرع الأول لأبنائكم، لا تنتظروا من المدرسة وحدها أن تعالج الأمر، وإليكم بعض الخطوات التالية التي يجب أن تزرعوها في نفوس أطفالكم:
1- ازرعوا الاحترام في بيوتكم وعلّموا أولادكم أن اختلاف اللباس أو الطعام أو الشكل هو أمر طبيعي. نحن بشر متنوعون وهذا ما يجعلنا أجمل.
2-تحدثوا مع أبنائكم بصراحة وخصصوا وقتا ً قصيرًا يوميًا لتسألوهم كيف كان يومهم، وهل أزعجهم أحد، وستتفاجؤون بكمية ما يخفونه في قلوبهم.
3- راقبوا إشارات الخطر، فالطفل الذي يرفض الذهاب إلى المدرسة فجأة، أو يصبح منطويًا، أو يفقد شهيته، قد يكون ضحية تنمر، فلا تستهينوا بهذه العلامات.
4- كونوا قدوة حسنة: إذا سمع الطفل والديه يسخران من الآخرين بسبب شكلهم أو طريقة حديثهم، فسيتعلم أن هذا السلوك عادي.
وبعد الأهل يأتي دور المدرسة بصفتها شريك أساسي لذلك يجب على المدارس أن تضع قوانين واضحة ضد التنمر، وأن تدرب المعلمين على كشف الحالات مبكرًا. والأهم أن تزرع المدرسة روح التعاون بين الطلاب عبر أنشطة جماعية وفنية ورياضية تجعلهم أقرب إلى بعضهم البعض.
أما رسالتي إلى الطلاب فأقول لكل طالب وطالبة: المدرسة ليست ساحة للسخرية، بل هي بيتكم الثاني، لا تستهزئوا بزميل لكم لأنه يرتدي ثيابًا بسيطة أو يحمل طعامًا مختلفا. قد تضحكون لدقيقة، لكنكم قد تتركون جرحًا يستمر سنوات.
لكن حماية أبنائنا لا تكتمل فقط بتربيتهم على احترام الآخرين وعدم التنمر، بل يجب أن نزودهم أيضًا بالأدوات التي تمكنهم من مواجهة التنمر إذا تعرضوا له، أو حين يقعون ضحية للتنمر، وذلك من خلال ما يلي:
1- تشجيع الطالب على اللجوء إلى الناظر أو المعلم أو المرشد لإخبارهم بأن ثمة تنمر أو سخرية أو إيذاء يتعرض له.
2- تعويد الطفل منذ نعومة أظافره على وضع حدود واضحة مع الأشخاص والطلاب الذين يتعامل معهم مهما كانت درجة الصداقة، وذلك لتجنب أمور أخرى قد تحصل كالرد بالضرب أو الشتائم.
3- زرع الثقة بالنفس لدى الطفل أو المراهق وتشجيعه باستمرار، لأن الطفل الواثق من نفسه يستطيع مواجهة المواقف الصعبة.
4- غرس القيم الحميدة في نفس الطفل كالاحترام والرحمة وتقديم القدوة في التعامل الراقي داخل البيت وفي المدرسة.
بهذه الخطوات، نمنح أبناءنا أدوات واقعية تحميهم من التنمر، وتعلّمهم كيف يواجهون المواقف الصعبة بثقوة ووعي.
دعونا نتعاون نحن الأهل والتربويين على أن يكون العام الدراسي الجديد عامًا خاليًا من التنمر، وليكن عامًا مليئًا بالمحبة والتقبّل، حيث يشعر كل طالب بأنه مرحب به مهما كان شكله أو طعامه أو ثيابه أو مستواه الاجتماعي. ولنحرص جميعًا على أن يعيش أبنائنا بفرح وثقة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
الكلمات الدالة : المدرسة السلوك التنمر التربية الإيمانية- مسؤولية- الطفل- الأهل التربية- الحوار- الأبناء
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الاستعداد للعام الدراسي الجديد: كيف نحمي أولادنا من التنمر؟
ذكرى المَولد النبويّ الشريف: بلغة الشوق والحبّ
ميلاد محمد ﷺ: حين أشرقت الأرض بغير شمس
في ذكرى المولد النبويّ
صرح المولد.. من يبني فيه ومن يُفسد؟