باحثة في قضايا المرأة والأسرة.
' فاديا عكيلة ' فقيدة غالية في عالم الدعوة في لبنان

للفيسبوك فوائد كثيرة كما له أضرار كثيرة، وأنا هرباً من أضراره قمتُ بإلغاء الصفحة الخاصة بي من هذه الوسيلة التكنولوجية منذ فترة طويلة، خروجاً من الجدال وإضاعة الوقت وغير ذلك من الأمور التي أشعرتني بأن حياتي من غير إحدى وسائل التواصل الاجتماعي أفضل من وجودها.
إلا أنني منذ أيام أدركتُ بأنني خسرت نتيجة هذا الإلغاء جانبًا إيجابيًا مهمًا لم أدرك أهميته إلا في هذه اللحظة، وهو البقاء على معرفة بأخبار الناس وخاصة الأعزاء منهم، ومن هؤلاء الناس الذين لم أعرف أخبارهم إلا متأخرة جداً " فاديا عكيلة" التي تناقلت صفحات " الفايسبوك" منذ شهر خبرَ وفاتها، وليقوم من عرف بهذه الوفاة بواجب التعزية لأهلها ومحبّيها، بينما لم أعرف أنا بهذه الوفاة إلا منذ أيام وبعد فترة طويلة من غيابها، فكان من نتيجة ذلك أنني لم أقم بواجبي في تعزية أهلها بمُصابهم الأليم.
"فاديا عكيلة" رحمها الله لم تكن من الصديقات المقربات جداً، إلا أنها كانت من الأخوات العزيزات على قلبي. وكنت قد تعرفت عليها منذ سنوات عندما كنا نذهب معًا لحضور دروس الفقه عند "الشيخ حسن قاطرجي"، وذلك قبل موجة الكورونا التي حوّلت الدروس إلى لقاءات عبر الزووم أو غيرها من وسائل التكنولوجية.
وكانت " فاديا" رحمها الله، بالرغم من علمها وتخصصها الفقهي، وخاصة في مجال المواريث، تشارِكُنا هذه الدروس وتضيف إلى الجوِّ الدعويّ بين الأخوات في الحلقة بصمةً خاصة لم تنتهِ آثارُها بانتهاء تلك الحلقات بل بقيت حاضرة دومًا في ذاكرتي ووجداني، مما جعلني إلى الآن لا أصدق خبر وفاتها، رغم تسليمي بقضاء الله عز وجلّ الذي جعل عمرها القصير عبرة لمن يسوّف في العمل ظنّاً منه أن أمامَه عمراً طويلاً، ناسيًا أن الموت أقرب إليه من حبل الوريد.
علاقتي بفاديا لم تكن علاقة متينة كما سبق أن ذكرت، إلا أنني كنت أشعر دومًا بالاطمئنان لأنها موجودة عند حاجتي لأي فتوى أو استشارة، خاصة في مجال فقه المرأة أو المواريث، فكانت هي المرجع والملجأ الذي أعود إليه لأستفتِيَه، وأزوّد رقمها لمن تسألني عن هذه الجوانب الدقيقة في الفقه والتي كانت رحمها الله بارعة فيه. وكانت هي بالمقابل تجيبني وتجيب كل سائلة بكلِّ حبّ ومَودة من دون أيِّ تذمُّر، فكنت أشعر أنَّ وجودَها في حياتي أختاً وصديقة نعمةٌ من نِعم الله عز وجل التي لا يملكها كل مسلم.
كانت الرسائل التي نتبادلها عبر الواتس آب قليلة، وكانت دومًا هي المبادرة بالسلام والسؤال مما يدل على حُسن خلقها رغم انشغالها، ولتشعرني من جديد بتقصيري تُجاهها، ولأُبدي لها عن اشتياقي لها وعن اعتذاري لتقصيري ولأقول لها بأنها أفضل مني كونها هي المبادرة في السؤال.
الذين كتبوا عن "فاديا" كُثر، منهم الدكتور "بسام طراس" الذي عدَّد جوانب الخير في تلك الداعية الراحلة، وكذلك طالبُاتها ومحبّاتها اللواتي كتَبْن مادحات معلمتهم التي لم تمتهنّ مهنة تعتاش منها، بل كان عملُها كلُّه دعويًّا خالصًا لله تعالى، مما جعل طالباتها بعد وفاتها يشعُرْن باليُتم والحزن.
لقد تركت للداعيات نموذجًا حيًا للإخلاص في الدعوة دون أي مقابل، يُشْعر المقصرة منهنّ بالحزن على تقصيرهنّ في هذا المجال.
وفي الختام؛ أقول بأنني كتبت هذه الكلمات رغم تأخري، لأكونَ هذه المرة أنا المبادرة في التحية والسلام، ولأعزِّي أهلها ومحباتها بوفاة هذه الداعية الحبيبة ... رحمها الله وأدخلها فسيح جناته وألهم أهلها الصبر والسلون.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
' فاديا عكيلة ' فقيدة غالية في عالم الدعوة في لبنان
أيَّ عاشوراءَ تريد؟
العين المحمودة والعين المذمومة في الكتاب والسنة
وقفات وعبر من هجرة خير البشر
من تعاليم الهجرة