العم رشاد
استيقظ العم رشاد كعادته، كل صباح على نفحات الفجر الندية مستبشر الوجه، مفعمًا بالنشاط، شغوفًا بحب عمله، والمتفاني في إتقانه. خرج من بيته، وبيده كيس خيش قديم، ملأه بما تيّسر من طعام وقاروة ماء ممزوجة بماء الورد لإبعاد آلام معدته، ومغص يرواده من وقت لآخر.
علّقه بالجهة اليمنى للعربة، وخرج يجرّ عربته بهمة ونشاط، يكنس الشوارع ويجمع المخلّفات والنفايات دون كلل أو ملل، يمسح قطرات عرقه والبسمة لا تفارق محيَّاه.
يلقي السلام على المارة، ثم ما يلبث أن يأخذ استراحة إلا بصعوبة؛ ليأكل من كيس الخيش الذي بحوزته مشاركًا أقرانه، متجاذباً أطراف الحديث لربع ساعة، ويعود لكنس الأرصفة وجمع بقايا الطعام حول حاوية النفايات ويبقى عم رشاد على حاله هذا حتى انتصاف شمس الظهيرة.
وقد أنهكه التعب، وقطرات من العرق تبلّل لحيتة وشعره الأشيَب فيعاود أدراجه لبيته، جارّاً عربته متّجهاً إلى بيته فقد انتهت مدة عمله لهذا اليوم وفي أثناء عودته لسكنه، استوقفه أحد المارّة وهو يحدق به وينظر إليه باستحقار.
مشهد من مشاهد مجتمعاتنا وصورة متكررة شبه يومية لعمال النظافة؛ الذين تختلف ظروفهم الاجتماعية والمعيشية بعضهم عن بعض، فمنهم من قست عليه ظروف الحياة ولم يكمل تعليمه فلم تسنح له فرص أخرى للعمل، ومنهم من يحب هذا العمل رغم أن العمل أفضل من التسول.
يختلفون في أسمائهم وأعمارهم وأشكالهم؛ لكنهم يتشابهون بالمشاعر والأحاسيس وفي معاناتهم الجسدية والنفسية.. فمنهم من تتعرض أيديهم للجروح لعدم توفر الآليات الحديثة والتجهيزات اللازمة… ومنهم من ينزعج من نظرة الناس السلبية والدونيّة لهم.
فلنتذكر وإن كانوا أسفل… الهرم، فإنهم ليسوا أقل شأناً من غيرهم إنهم جنود أخفياء يخدمون بلادهم بعزم وثباث.. فلنضع نصب أعيننا أنّ كسر المشاعر والخواطر أشدّ ألماً من كسر المعاصم، لأنّه يبقى ندبة في القلب لا تندمل.
ولنفكر قبل رمي مخلّفاتنا من نافذة السيارة بأن هناك طاعن بالسن أشيَب وتقوّس ظهره يهندس لنا الشوارع بقيثارته.. مكنسة القش…
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة