كيف أشعر أني جميلة؟!
كتب بواسطة د. مهاب السعيد
التاريخ:
فى : شباب بنات
3803 مشاهدة
في الشارع الصغير الفرعي الذي أسكن به أحصيتُ إحدى عشرة مَحَلّة تجارية، هناك سوبر ماركت، وبقالة صغيرة، وفرارجيّ، وعطار، ثم سبعة أماكن مخصصة لتجارة الجمال!
تأملت في الأماكن السبعة، ما بين من تدعي أنها فنانة في صناعة التبرج والزينة، ومن يدعي أنه سيساعدكِ على خسارة الكثير من وزنك، ومن يدعونكِ للوصول إلى قوامك المثالي في صالة الألعاب المخصصة للنساء، وطبيب أسنان كان بإمكانه أن يعلن عن نفسه بألف طريقة أخرى ولكنه اختار أن يجذبكِ عن طريق ابتسامة هوليود الساحرة.
تجارة أدوات التجميل عمومًا تعتبر سادس أكثر التجارات رواجًا في العالم، والتي قفزت في قيمتها العالمية من 267 مليار دولار في 2005 إلى 499 مليار دولار في 2019، ومن بين دول الشرق الأوسط تتربع السعودية على قمتها بإنفاقها على أدوات التجميل ما يقارب السبعة مليار ريال سعودي سنويًا.
جاءتني رسالة من أسبوع من فتاة تسألني: كيف أشعر أني جميلة؟
وقد أعجبني السؤال، جدًا! في نهاية الأمر فهذا هو ما يهم فعلًا، أن نشعر بجمالنا، أن نراه، أن نوقن به.
اسأل نفسك: من هي أجمل امرأة في العالم؟ هل تستطيع تحديدها فعلًا؟ هل يمكنك أن تشير إلى إحداهن فتقول هذه أجمل امرأة وقعت عليها عيناي، وتكون موقنًا أنك لستَ على خطأ؟ ولو استطعت بطريقة ما أن تفعل ذلك فهل يمكنك أن تتفق على ذلك مع أربعة فقط من البشر؟
ماذا يخبرك ذلك عن الجمال؟ ألا يدل كوننا لا نستطيع أن نحدده بمحددات تفاضلية يمكن لكل إنسان أن يأخذ منه قيمة ورقمًا واضحين، أن الجمال في حقيقته قيمة اعتبارية غير قابلة للمعايرة أو القياس؟
تخيل آلة زمن افتراضية دخلتها امرأة من أي مكان وزمان، وقالت لسائقها: هل تستطيع أن تصل بي إلى زمان ومكان أكن فيه من أجمل النساء؟ هل ستكون هذه مهمة بالغة المشقة على السائق؟!
حسنًا لننظر سويًا..!
تنقل لنا الميثولوجيا الإغريقية عادة نساء شعب الأمازن الأسطوري بقطع الثدي الأيمن. ولو أردنا أن نبتعد عن الأساطير الغريبة وننظر إلى الواقع الأغرب فلدينا (زائير) حيث اعتادت قبيلة (مانجيتوس) أن تربط عصبيات حول رأس الوليد لتستطيل جمجمته فيحسن في عيون الناظرين. وعند الإنكا كانوا يضعون حلقات معدنية في ثقب شحمة الأذن حتى تصل الشحمة إلى الكتفين. بينما عند المايا كانوا يستجملون المرأة الحولاء! فيضعون كرة من الراتنج بين العينين للبنت الصغيرة حتى تصبح آنسة حولاء جميلة.
اليابانيون يرون أن المرأة الجميلة لا بد أن تكون دقيقة القدمين وضيّقة الخطى، ويُفضّل أن تكون قصيرة القامة. الأمريكيّون يختلفون في الرأي بشدة، فالمرأة الجميلة لديهم طويلة القامة وشقراء. ومعنى هذا أن المرأة الأمريكية الجميلة لن تساوي أربعة جنيهات في دول وسط وجنوب أفريقيا الذين يعتبرون صفار الشعر عيبًا أو عقابًا إلهيًا، في المقابل هم يعشقون المرأة شديدة سواد البشرة التي تدل على جمال أصلي المنشأ، وعرق شديد الصفاء.
عند أهل الموزمبيق اعتادوا أن يخلعوا الأنياب والقواطع لأنها قبيحة، وأما الداهميون فكانوا يبردون كل الأسنان لتصبح أنيابًا لأنها عندهم جميلة. وقبيلة (بادونجر) كانت تحب أن تحوّل نسائها إلى زرافة بوضع أسطوانات معدنية حول أعناق الفتيات تبدأ من طول 10 سنتيمترات إلى 40 سم. وحتى القرن التاسع عشر كانت المرأة الموريتانية تشرب 20 لترًا من حليب الناقة يوميًا في الأيام التي تسبق الزواج حتى تهدي زوجها الجديد عشرة كيلوجرامات من السِمنة التي يعشقها. وللمتنبي في مدح المرأة الرعبوبة السمينة: "ما أوجه الحَضَر المستحسنات به، كأوجه البدويات الرعابيب"!
في ظل قيمة فضفاضة واسعة المقاييس كهذه، ماذا تصنع مسابقات الجمال إذن؟ تتفق على معايير محددة يمكنك أن تقيسها، وتحسبها، وتقدر الرقم الذي تحصل عليه كل فتاة.
ففي حين يبلغ متوسط طول النساء حول العالم 152 سم، تصر مسابقات الجمال العالمية على وضع حد أدنى لطول المتسابقة يقدر ب 176 سم، من الذي قال أن الفتاة يجب أن تكون طويلة كي تكون جميلة؟ راجع الفقرات السابقة لتتأكد أنهم الأمريكيون. وهم ذات الأمريكيون الذين يضعون مواصفات الجمال الخاصة بهم في منتوجات الميديا العملاقة لتدخل إلى كل بيت.
هذه هي الطريقة الوحيدة لتحديد من الأجمل وسط الفتيات كي يمكننا أن نقيم المزيد من هذا الهراء المدعوم بشركات مستحضرات التجميل وبلايينها التي تربحها كل عام. أن نتفق على قيمة محددة للجمال كي نستطيع أن نعبئه في برطمان ونبيعه بمئات الدولارات في كل العالم، وكلما صارت هذه القيمة أكثر عالمية، كلما عنى ذلك أن يباع البرطمان الخاص بنا في أماكن أكثر، لنربح أكثر وأكثر.
يمكن لأي من الشعوب السابقة أن تحدد معايير الجمال المثالية إذن، يمكن لنساء الأمازون لو كان لهنّ وجود أن تتسبب في صالونات تجميل متخصصة في قطع الثدي الأيمن للفتيات الراغبات في الرشاقة في مدينة الزقازيق. حينها كنت سأجد اثنين منهما على ناصية الشارع الذي أسكن به!
في النهاية نبقى مع ذات السؤال المؤرّق الذي سألتني إياه الفتاة، كيف أشعر أني جميلة؟
حين تقفين أمام المرآة فالانطباع الذي تأخذينه عن شكلك ليس هو شكلك ولكنه تأثرك بكل معايير الجمال التي تشربها عقلك منذ أن كنتِ طفلة تمرحين في كل مكان ولم يستوقفك شكلك في المرآة لحظة! في عالم يحاول جاهدًا الإمساك بقيمة لا يمكن الإمساك بها لأنها تسكن أصلًا في عين الرائي!
الرائي لا يرى أرقامًا ومحددات، لا يلتفت للمعايير المتغيرة، ولا يبالي بما تفرضه عليه الثقافة الغالبة، وإنما يرى الأمور جميلة لأنه يستجملها فحسب! هكذا خلقنا الله، نستجمل الأمور ليس لأنه ينبغي علينا ذلك ولكن نشعر بقيمتها الحسنة دون سبب، ولكل جميل فهناك الرائي الخاص به.
وكانت القيمة المعيارية للجمال في نظر النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا نظرتَ إليها سرّتك"!
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة