أ. راما ماهر الشجراوي أردنية، من أصول فلسطينية كاتبة للخواطر والمقالات، ومدونة في الجزيرة، حاصلة على شهادة جامعية في اللغة الإنجليزية وآدابها وتعمل في مجال التعليم
من الألم يولد الأمل
أظن أن العالم لا زال عالقًا تحت الأنقاض، يبحث عن ضوء أمل لا زال على قيد الحياة. خرج من بئر وسقط في آخر، تصاوب برصاصة طائشة وتعافى لتنتظره قذيفة ملقاة فوق رأسه دون إنذار يُذكر.
هذا العالم بريء، أضحكته مداعبات الأطفال المغبرين، هتف: الله أكبر في كل مرة يخرج أحدهم حيًّا يرزق، تباكي الفقد واللوعة والحزن والأشلاء و المناجاة..
لا أظن أنّ أحدًا ما، في هذا العالم سينسى ولو للحظة ما حصل طيلة تلك الأعوام.
لن ينسى هذا الجيل، والله لن ينسى حتى لو تراكضت الأيام نحو كوارث أخرى وتوارت المصائب في باقة الأفراح ما حولهم.
وإن وصلوا إلى أقاصي أحلامهم وتكتفت عنهم أيادي الظالمة وشربوا من بئر آمالهم لن ينسى ما مروا فيه من أيامٍ عجاف، لن يرتوي عطش ذكرياتهم البائسة.
ستسافر ذكرياتهم كل مرةٍ إلى لحظاتٍ عاشوها بملء خوفهم، وسيتذكرون الأحداث جيدًا كما حصلت أمامهم، سيترددون نحو المقابر بكثرة، دامعين، باكين، مخذولين الخاطر.
لن يكون هذا الجيل عاديًا أبدًا، تحمل كل مرارة الحياة وهو لا زال بين أزقة الحارات يركض خلف كرته وبعضهم يركض في أزقة مدارسهم وجامعاتهم حاملين كتبهم تصل بهم إلى حيث ما هم يحلمون به في كل ليلة تضيء فيها أضواء ليست بعادية.
أرأيتها حين أمسكت برأس شقيقها خوفًا عليه من الموت، وكأنها تتشبث بآخر رمق من عائلتها، أم سمعت تلك حين كانت تتبادل أطراف الحديث مع منقذها وتطرح عليه حلولًا تخفف من ألمها، أم شاهدت تلك المقاطع المصورة من تحت الأنقاض يطلبون المساعدة قبل مجيء شبح الموت، أسمعت صراخ الأم المكلومة!
أعددت شهداء غزة وفلسطين، سوريا وتركيا وغيرهم!
هل كان الكفن دافئًا على جسد الصغيرة!
هل تناهى إلى مسمعك صوت بكاء طفل رضيع وُلد للتو، أم بكيت حين شاهدت طفلًا حيًّا بين ذراعي والده الميت؟
جيل المستقبل أصبح رمادًا، رُمي في عرض الحياة حجارًا يتبعثر فيها الأمل والضحك والراحة، جيل المستقبل شَهد الحروب والنزاعات، الغلاء وقلة المياه، القتل والتشريد، الفقر والتجويع، البطالة والمرض، أتراه عاديًا رغم كل ذلك؟
إياك، إياك والتفوه بعاديته، هذا الجيل لن يكون عاديًا، ستتولد بداخله شرارة النهوض، وسترى...
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة