حوار مع الدكتور 'هيثم طلعت' حول مركز تكوين
حوارٌ أجرتْه "مجلّة إشراقات" مع الدكتور هيثم طلعت* عن " مركز تكوين" الذي أُعلن عنه مؤخرًا لنشر الإلحاد والطعن بالسنّة النبوية والتشكيك بها وفي ثوابت وقيم الشريعة الإسلامية.
نرّحب بكم _حضرة الدكتور_ ونطرح عليكم بضعةَ أسئلة بهدف الاستفادة من فكركم وخبرتكم في مجال مجابهة الإلحاد والتشكيك في ثوابت الدين.
► ما إن أُعلِن عن افتتاح مركز تكوين في القاهرة حتى سامَته الريبة، ورافقه وسمٌ متقدِّم على مواقع التواصل بعنوان (أغلقوا مركز تكوين). تُّرى ما هي دوافع إعلان هذا المركز المشبوه الآن في خضَمِّ حدث استثنائيٍّ تُعايشه الأُمَّة – طوفان الأقصى -؟ ومَن الجهات وراءه حسب رصدكم؟
• أشكر مجلة إشراقات على هذه الاستضافة، نفع الله بكم وبمجلتكم، أمّا بشأن مركز تكوين، فالواقع أنّنا نرصد تحرُّكات للقائمين على المركز منذ سنوات، وكنّا نتعجَّب من هذه التحرُّكات ونُدرِك أنّ هناك أمرًا يُعَدُّ بلَيل. ومن هذه التحرُّكات التقاء إبراهيم عيسى، العقل المدبِّر لخليَّة مركز تكوين بمجموعة كبيرة من الملحدين في الشهور القليلة الماضية، حتّى أنّه سُرِّبت صور للقائه بملحدٍ مصري ح. عبد الصمد يعيش في ألمانيا تحت حماية الشرطة الألمانيَّة.
وكنّا نستشعر أنّ هناك تخطيطات كبيرة تجري، إلى أن ظهر علينا فجأة مركز تكوين بين عشيَّة وضُحاها بعشرات الكتّاب تمَّ استكتابهم، إلى جانب فريق إعلامي، وإعلانات مموَّلة بسخاء وحسابات على جميع مواقع التواصل وأستوديوهات فخمة تجري فيها اللقاءات، فالأمر نتاج تخطيطات طويلة ومموِّلٌ يُنْفِقُ بغير حساب، ولا نستبعد هنا تورُّط بعض أسماء رجال الأعمال الكارهين للإسلام في تمويل هذا المشروع.
وانطلاق هذا المركز في هذا الوقت الراهن الذي تعيشه أُمَّتُنا أمرٌ لا يخفى على لبيب هدفه، فالغاية: تقديم خطاب يُسقِط هيبة المسجد الأقصى، وهذا قد حصل من هذا المركز، إلى جانب إلهاء الرأي العام بعيدًا عن العدوِّ الصهيونيِّ الجاثم على صدر الأُمَّة.
► صاحَبَ حملةَ افتتاح المركز بذخٌ ملحوظ يدحض ما ادَّعاه بعض أعضائه؛ بأنّه تمويل ذاتيٌّ. هل يدلُّ ذلك على جهات غير معلنة، تحتضن هذا المركز برأيكم تتبنّى أهدافه؟
• هذا هو الواقع يقينًا. فالخطاب المقدَّم من المؤسَّسة، هو خطاب يتماشى تمامًا مع أهداف مؤسَّسة راند. وهو نفسه يُقدِّم تعريفًا جديدًا للإسلام خاليًا من ثوابته وأصوله، وهذا النوع هو الذي يريده العالم الغربيُّ، ولوبيات وحدة الأديان، وكلُّ الكارهين لهذا الدين. فالدعم قد يكون من رجل أعمال ثقيل وقد يكون من روافد شتّى.
►أعلن المركز عن رعايته حريَّةَ الفكر، وحريَّة النقد لكافة القضايا، بما فيها المسلَّمات، هل في ذلك خطر يسترعي الانتباه على عقليَّة الشباب؟ وأين مكمن هذا الخطر؟
• قوام مركز تكوين على إخراج النصِّ الشرعيِّ عن معناه وعلى إسقاط هيبة السُنَّة في قلب المسلم. فيُقرِّر إسلام بحيري أحد الأعضاء المؤسِّسين للمركز أنَّ النصَّ لا بُدَّ أن يتحرَّر من التراث. والتراث هو السُنَّة والأحاديث النبويَّة وفقه سلف الأُمَّة والإجماع وعقيدة الصحابة.
مع أنّ نفس النصِّ القرآنيِّ يقرِّر أنّ: الله لن يرضى عن المسلم إلا باتباع هذا التراث.
قال الله عزّ وجلَّ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 74]. فهذا هو الإيمان الحقُّ: إيمان الصحابة وإيمان سلف الأُمَّة.
والله يأمرنا أن نكونَ على نفس إيمانهم ونفس فَهمهم للدين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]. كونوا معهم والآيات تتكلَّم عن الصحابة.
ولذلك قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ"(صحيح مسلم).
فإذا ذهب فقه الصحابة وفهم الصحابة تهلك الأُمَّة.
وقد توعَّد الله عزَّ وجلَّ مَن يتَّبِع غير سبيل سلف الأُمَّة... غير سبيل المؤمنين؛ توعَّدهم بنار جهنَّم، فقال سبحانه: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
وفي أوَّل صحيح مسلم عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ: "إنَّ في البَحْرِ شَياطِينَ مَسْجُونَةً، أوْثَقَها سُلَيْمانُ، يُوشِكُ أنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ علَى النَّاسِ قُرْآنًا. "
►هل يصحُّ أن نقول: إنّ هذا المشروع في ظاهره "تكوين" لكن في حقيقته " محاولة تهديم" لمقدَّسات الدين، من خلال الدعوة إلى الإلحاد؟
• نعم هذا لا يخفى على متابع، ففي أعضاء المركز ملاحدة يصرِّحون بإلحادهم، والبقيَّة بين زنادقة يخفون الكفرَ ويظهرون الإيمان، وبين أصحاب فهْمٍ فاسدٍ لكثير من ثوابت الشريعة.
► يأتي افتتاح مركز تكوين في وقت حسّاس، حيث تستعر لظى الأحداث ومشاهد الدماء والصمود في غزَّة الأبيَّة. هل ترون فضيلة الدكتور رابطًا بين افتتاح المركز وما يجري في غزَّة؟ وما هي أهم الخطوات الفعّالة لمواجهة شروره والتخفيف من آثاره الفكريَّة التشوشيَّة؟
• هذا واضح تمامًا. فالهدف التشتيت وصناعة جبهات أخرى لتفتيت الجهود.
وفي الواقع فمصطلح التنوير ظهر في أوروبا قبل حوالي مائتي عام، بنفس المصطلحات والأهداف التي قام عليها مركز تكوين وانتهى بإلحاد أوروبا.
فالمراد صناعة اتِّجاه مماثل في العالم الإسلاميِّ! فالتنوير أخطر من الإلحاد الصريح بألف ألف مرَّة. فنحن بالفعل أمام تهديد بموجة إلحاد في العالم الإسلاميِّ.
ولذلك لا بُدَّ من تفنيد وتعرية وكشف شبهات هذا المركز فلا بُدَّ من مشاريع دعويَّة موازية
ولا بُدَّ لكلِّ مسلم أن يفكِّر في مشروع دعوة إلى الله. وأن يفرِّغ من وقته وماله للدعوة إلى الله ولو بساعة يوميًّا.
►أخيرًا، هل ترَوْن مستقبلًا لهذا المركز، وما مدى تأثيره على المجتمع برأيكم على المدى القريب والبعيد؟
• الذي أقوله إنّ هذا المركز استفزَّ كثيراً من الشباب والفتيات، وأيقظ فيهم روح الغيرة على الدين، وهذا مصداق قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36].
نسأل المولى تعالى لكم القَبول والتوفيق
أشكركم وأشكر لكم هذه الاستضافة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* مدير قسم العلوم الإنسانيّة بمركز براهين سابقًا، باحث بقسم العقائد والفرق بمركز المنهاج سابقًا، مهتم بالملف الإلحادي وقدّم أفكارًا علميَّة في نقد الإلحاد وبيان خطورته على الفرد والأمّة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة