الاهتمام بالمظاهر موضة أم إسراف؟
الاهتمام بالمظاهر والأمور الكمالية يعكس المستوى المادي الذي تعيشه بعض الأسر، ولكنه أصبح الثقافة الرائجة في حياة كثير من مسلمي اليوم، لا بل صار مرضاً اجتماعياً لا يُبتلى به أصحاب المال والثروات فحسب، بل نلحظه بشكل أكثر استفحالاً لدى الكثير من متوسطي الحال ومحدودي الدخل.
إذ وفقاً لمسح أجرته شركة «Master Card» في عام 2011، يخصّص اللبنانيون نحو 15% من دخلهم الشهري للترفيه والهوايات والمتع الشخصية، ويسجّل الكويتيّون نسبة مقاربة، ولا يتقدّم على لبنان وفقاً لهذا المؤشر سوى العُمانيين بنسبة 22%
وما يلفت في هذه الأرقام هو أنّ النسبة تبلغ 13% في الإمارات و11% في قطر و9% في مصر
آراء الناس:
ولاستجلاء آراء الناس حول هذا الموضوع قمنا بتوزيع استبيان على 53 شخصاً من بعض المناطق اللبنانية؛ فخرجنا باستنتاجات سنذكر منها أعلى نسبة لكل سؤال:
• 38 شخصاً يرون أن نسبة انتشار الظاهرة تتراوح بين 75% إلى 85%.
• 41 شخصاً يرون أن الموضوع أصبح ظاهرة تستحق الدراسة.
• 33 شخصاً اعتبروا أن المبالغة في حب المظاهر منتشر أكثر بين النساء.
• 31 شخصاً اعتبروا أن حب المظاهر منتشر أكثر بين جميع الفئات والطبقات الاجتماعية دون فرق بين أبناء الطبقة الغنيّة والمتوسطة الدخل والفقيرة.
صور من حب المظاهر:
• يقول محمد (تاجر): دعيت إلى حفلة زفاف في أفخم الفنادق في طرابلس، وحسبما علمت من العريس نفسه أن كلفة العرس فاقت الـ 15 ألف دولار.. وعندما ذهبت لمنزل العروسين من أجل تهنئتهما بالزواج، تفاجأت أن عش الزوجية لم يكتمل تأثيث كل غرفه لعدم توفر المال.
• ويعتبر أبو فؤاد (موظف في مجال الأدوات الصحية) نفسه من الأشخاص الذين ليس عندهم مبالغة في الاهتمام بمظهره معلقاً: هاتفي المحمول مثلاً لم أغيره منذ سنتين، وسيارتي كذلك، مع أنني قادر مادياً على ذلك، وفيما يتعلق بهندامي لا تهمني الماركات العالمية بقدر ما تهمني الجودة.
• أما أمينة، وهي طالبة معهد (غرافيك ديزاين)، فتقول: «لا أقدر أن لا أغيّر هاتفي المحمول كل فترة، وإخوتي الأربعة كذلك، وإلا نشعر أمام أصدقائنا بالخجل لأننا لا نواكب الموضة.. بالنسبة لهندامي: نعم تهمني الماركات، بالإضافة إلى أنني مولعة بتغيير لون شعري باستمرار، وعندي هوس باقتناء الحقائب».
• أما سلوى (تدرس في أحد المعاهد الشرعية) فتعتبر أنّ الموضوع لا يهمها كونها ليست من النوع الذي يحب المظاهر وحياتها المتواضعة دليل على ذلك.. ولكنها عبّرت عن انزعاجها من أن المبالغة بالاهتمام بالمظاهر طالت حتى المجلببات اللاتي صرن يحرصن على شراء جلابيبهن التي تواكب الموضة من محلات معروف عنها أسعارها الباهظة.. وروت لي أنها أُعجبت بجلباب إحدى الصبايا، وهي فقيرة وتستفيد من الجمعيات الخيرية، التقت بها في أحد الأنشطة الدعوية، وصُدِمت حين عرفت أن ثمنه يفوق 250 دولار، وقالت لها الطالبة بالحرف الواحد: «قعدت كذا شهر صمّد حتى قدرت جمّع حقّو وأحضر هذا النشاط»
• وتضيف خديجة (ماجستير لغة عربية): المجتمع اللبناني يتصف بشكل عام بالمبالغة في الاهتمام بالمظاهر والأمور الكمالية، ومثال بسيط تغيير الهواتف المحمولة بشكل مستمر علماً أنها تكون بحالة جيدة، ولكن فقط من باب اتباع الموضة والتباهي أمام الأصدقاء، ولا أرى أن هناك فرقاً بين ذكر أو أنثى في هذا الأمر؛ إذ إنهما على المستوى نفسه بالمبالغة بالاهتمام بالمظاهر والأمور الكمالية فيما يتعلق باللباس واقتناء أحدث الهواتف المحمولة والسيارات، وقد يصل الأمر إلى اختيار الجامعات والمدارس.
• وعلّقت صابرين (موظفة) على الموضوع قائلة: اشتكتْ مرة إحدى زميلاتي الوضعَ المالي السيئ لأخيها؛ إذ لا يكفي مرتَّبه لتغطية أقساط مدرسة أولاده (وهي مدرسة إسلامية أقساطها باهظة) مما يضطره للجوء إلى إحدى الجمعيات الخيرية، فأخبرتها أنّ «يلي ما معو ما بيلزمو» أي أن أخاها ليس مضطراً إلى ذلك ما دام هناك مدارس ملائمة الأقساط، إلا أنها لم تقتنع بحجة أن مستوى تلك المدارس التعليمي متدَنٍّ.
دور الإعلام في الترويج لهذه الظاهرة:
في دراسة أعدتها فيرونيك أبو غزالة بعنوان: «دور الإعلام المرئي اللبناني في تفعيل استراتيجيات ترشيد الاستهلاك وتعزيز ثقافة الإنتاج والادخار لدى اللبنانيين»، أشارت إلى أنّ أكثر الفئات العمرية التي يتجاوز إنفاقها الاستهلاكي الحاجات الضرورية إلى الكماليات هي التي تتراوح بين 20 و30 عاماً، وهذه الفئة تحقّق نسبة مشاهدة عالية للمؤسسة اللبنانية للإرسال التي تتصدّر الإيرادات الإعلانية بين القنوات التلفزيونية المحلية. وليست الإعلانات هي الوسيلة الترويجية الوحيدة للسلع والخدمات عبر الإعلام المرئي، فهناك وسائل أخرى هي المسلسلات التلفزيونية التي تُعرَض على قنوات محلية (عربية أو أجنبية) والبرامج الترفيهية. وأظهرت نتائج الاستبيان أنّ 94.7 % من المستطلعين رأوا أن المسلسلات التلفزيونية تسوّق لنمط الاستهلاك المفرط.
دلالة هذه الظاهرة:
أرجع الدكتور يونس عبدالرزاق (دكتوراه في الفقه المقارن وإمام وخطيب مسجد «تل النبي» في عنجر البقاع) المبالغة بالاهتمام بالمظاهر إلى:
• ضعف الوازع الديني الذي يصرف الناس عن الغاية التي لأجلها بُعثوا في هذه الدنيا، ألا وهي عبادة الله سبحانه وتعالى، الأمر الذي جعلهم ينهمكون في الاهتمام بالمظاهر الزائفة والكماليات العابرة.
• عدم تدبّر التوجيهات الربانية والوصايا النبوية بالبعد عن الإسراف وترك التبذير.
• غياب القناعة وعدم الرضا بما قسم الله.
• الحرص على كسب ثناء الناس ومراعاة أذواقهم وملاحظاتهم، لذا أفراد نجد هذا الصنف يقومون بأعمال وأنشطة هدفها ظهورهم في طبقة أعلى من طبقتهم الحقيقية.
• أما تتبُّع كثير من الدعاة للكماليات فهو دليل انصرافهم عن هدفهم الأساسي في الدعوة إلى الله.
مخاطر هذه الظاهرة اقتصادياً:
سألنا الأخت زينب فواز (علم اجتماع) فأجابتْ: هذه الظاهرة تؤدي إلى غرق الفرد في الديون بسبب هوس الاستهلاك لما يحتاج وما لا يحتاج، وعندما لا يتمكن من وفاء الديون يضطر للاستدانة مرة ثانية، لا للاستهلاك هذه المرة بل لتسديد أقساط الديون المتراكمة عليه. ومن جهة أخرى، هذا يعزّز كوننا أسواقاً استهلاكية للبلاد المنتجة بدلاً من إنتاج احتياجاتنا بأنفسنا، وهنا مكمن الخطر.
نظرة نفسية اجتماعية:
وحين استطلعنا رأي الأخت هنا جبر (متخصصة في علم النفس الاجتماعي) قالت: «ما زال البعض منا يظن أن السيارة وسيلة للافتخار وليست وسيلة للنقل، وأن الملابس وسيلة للتعالي وليست مجرد ستر للجسد، وأنّ المنازل مكان لإظهار المستوى المعيشي وليست مكاناً للعيش والسكن! وما زال البعض يحكم على الناس من خلال مظاهرهم ونسي أن هناك قلباً وهناك عقلاً»!
الأثر السلبي لهذا السلوك على المجتمع ككل هو أنه كلما ارتفعت المداخيل في البلدان الفقيرة استُخدمت الموارد الجديدة لإشباع الرغبات الاستهلاكية التفاخرية المقلِّدة للأغنياء بدلاً من تخصيص هذا الدخل الزائد للادخار. ومن هنا يتضح أن ظاهرة التقليد والمحاكاة ظاهرة نفسية اجتماعية سلبية على الاقتصاد الكلي في البلدان النامية أو الأفراد، لأنها تشارك في تبديد الطاقات الاقتصادية بدلاً من إدراجها في دورة التنمية الوطنية.
أبرز العوامل التي تدفع المرء للاهتمام بالمظاهر:
يقول الدكتور يونس عبدالرزّاق: دلالات هذه الظاهرة هي نفسها من أبرز العوامل الدافعة إليها، مع إضافة التالي:
• التأثر بالغزو الثقافي والفكري الغربي الذي يؤدي إلى التبعية والتقليد الأعمى للموضات الوافدة.
• المرض النفسي، فشعور الإنسان بعقدة النقص والغيرة ممن هم أعلى منه في المستوى الاجتماعي والاقتصادي يدفعه إلى الظهور بنفس المستوى ولو بالادّعاءات الكاذبة.
سبل العلاج:
• تقول الأخت هنا جبر:
•• الانتهاء عن الإسراف والتبذير اللذين نهى عنهما الشرع لما ينطويان عليه من تبديد غير واع لموارد الفرد والمجتمع
•• تذليل النفس البشرية لتضييق مجاري الشيطان؛ فالنفس البشرية إذا شبعت تحركت وجالت وطافت على أبواب الشهوات، وإذا جاعت سكنت وخشعت وذلت.
•• التربية الاقتصادية: وذلك على حسن الإنتاج والكسب، وحسن الاستهلاك والإنفاق، وحسن التوزيع. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة؛ إذ كان يربي أصحابه على غنى النفس، والعمل لكسب العيش، والصبر.
وتضيف الأخت زينب فواز: من الضروري تحديد الاحتياجات وترتيبها بحسب الأولوية من خلال تصميم جدول يضم المداخيل والمصاريف الشهرية، إضافة إلى ادّخار ولو جزء بسيط من الدخل للأمور الطارئة.
وفي نهاية التحقيق نختم برسالة الدكتور يونس عبد الرزّاق التي وجهها إلى كل أخ أو أخت ابتُلي بحب المظاهر والتعلّق بالكماليات: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والسعادة بالعمل الصالح وليست بالعرض الزائل؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وعلى الإنسان أن يُعنى بجوهره وبقلبه لا بقالبه، وأن يقنع بما قسمه الله له؛ فالقناعة عون على صلاح النفس وصحة الجسم، قال صلى الله عليه وسلم: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنَّعه الله بما آتاه» رواه مسلم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة