باحثة في قضايا المرأة والأسرة.
صراع الخير والشر أم صراع الشر والشر؟

أسئلة وجودية عديدة تراودني وأنا أتابع هذه التحوّلات التي تطال حياة إنسان اليوم في مجالات الحياة كافة، من بين تلك الأسئلة أذكر ما يلي:
- لماذا يختار الإنسان طريق الشر مع وعورته ونتائجه التي قد تكون ماثلة أمام عينيه وهو يختار هذا الطريق؟
- لماذا يتحوّل الإنسان من طريق الخير إلى طريق الشر ويستكمل به حتى النهاية، بل ويدافع عن خياراته مع علمه ويقينه بعدم صوابية هذه الخيارات؟
- لماذا يُسخِّر الإنسان الاكتشافات والاختراعات للشر، مع كونه في كثير من الأحيان يمكن أن يفيد ويستفيد من هذه الاختراعات في خدمة الإنسانية؟.... والنماذج على ذلك كثيرة ومتعددة.
إنّ نماذج هذا الصراع بين الخير والشر يمكن أن نلمسه في كل ما يحيط بنا تقريبًا. فالتطور التكنولوجي مثلًا الذي سهّل أمام الإنسان أمورًا لم يكن من الممكن حتى التفكير في حصولها، تحوّل بيد المخترعين أو المستخدمين إلى أدوات لتدمير البشرية وإلحاق أكبر أذى بمخلوقات الله عز وجل بدءًا بالإنسان والحيوان وانتهاء بالبيئة العامة التي أنهكها التلوث والتعدي على قوانين الطبيعة...
ولعلّ أجهزة الهواتف النقّالة تشكّل أهم نموذج لهذا التطور التكنولوجي كونه يشكِّل وسيلة سهلة في متناول جميع الناس، وهذا الجهاز المتعدد الوظائف لا يسهِّل التواصل مع الناس فيما بينهم فقط، بل أيضًا يقرِّب المسافات البعيدة في دقائق، ويسهّل على كثير من البشر أمور عديدة لم يكن حتى وقت قريب يمكن أن تحدث.
وهذا الجهاز نفسه يمكن أن يُتَّخَذ كقنبلة موقوتة يُستخدَم للإضرار بالبشر وتدمير حياتهم، فباختراق سريع يمكن للشخص الشرير أن يدمِّرَ الحسابات ويسرقَ الأموال والبيانات الشخصية دون أن يرفَّ له جفن.
ومن خلال هذا الجهاز أيضًا يمكن للمستخدم أن يحمِّل تطبيقات يمكن من خلالها اختراق عقول الصغار والكبار على حدِّ سواء، وهذا الأمر قد يكون ظاهره تسويقي وترويجي بريء، بينما في الحقيقة يكون أداة لتحليل البيانات الشخصية للمستهلك، والاستفادة منها في أمور تصبُّ في صالح المعلنين.
ومن هذه التطبيقات تلك المتعلقة بالألعاب الاكترونية التي يلعب بها الكبار قبل الصغار، ويقومون من خلالها بتدمير أوقاتهم وصحتهم وأموالهم من دون أي احساس بالذنب أو المسؤولية. والأًضرار الناتجة عن هذه الألعاب عديدة، وعلى رأسها الإدمان وما يرافقه من مخاطر على الصحة بالدرجة الأولى. هذا إضافة إلى ما تبثه هذه الألعاب من أفكار معادية للدين والأخلاق ، وما تساهم به من تعزيز لثقافة العنف والعدائية... ومن نماذج هذه الألعاب نذكر ما يلي:
1-لعبة "البوكر" أو لعبة القمار التي تسمى في موقع الفيس بوك(Texas Holdem Poker).. ويمارس اللاعبون خلال هذه اللعبة لعب القمار ويربحون ويخسرون الأموال...
2- لعبة "ببجي") (PUBG، هي نوع من ألعاب البقاء، حيث يحاول اللاعب أن يحافظ على حياته داخل اللعبة حتى نهايتها، وذلك من خلال اتباعه استراتيجية تجميع الأسلحة والذخائر، وقتل جميع اللاعبين، حتى يكون هو الفائز.
ومن الاختراعات المعاصرة المواقع الالكترونية التي تتضمن الطيب والخبيث، فمن نماذج المواقع المفيدة تلك الإسلامية التي كانت سببًا في هداية أناس من أقاصي الأرض، نتيجة جهد فردي من قبل شباب مسلم مخلص قام بإنشاء غرف أو مدونات أو صفحات كانت سببًا في حوارات هادفة بينهم وبين الشباب الكفار مما أدّى إلى دخول العديد منهم في الإسلام.
وفي مقابل هذا نجد مواقع أخرى عديدة يستغلّها بعض عديمي الدين والأخلاق من أجل ابتزاز الأطفال والشباب وخاصة البنات، حيث يقوم هؤلاء بالإيقاع بضحاياهم وتهديدهم عبر صور قد تكون صحيحة أو مفبركة عبر الذكاء الاصطناعي، من أجل الحصول منهم على أهداف ممنوعة ولعل من أسوئها تجنيدهم في مهمات جاسوسية خطيرة.
ومن نماذج هذا الصراع بين الخير والشر، وبعيدًا عن الأمور الالكترونية، نذكر موضوعًا لا يقلُّ عنه خطورة ألا وهو الاكتشافات والاختراعات الطبية التي من المفترض أنّها وجدت لخدمة البشرية بغض النظر عن الجنس أو اللون، وعلى رأس هذه الاختراعات الأدوية والعلاجات الطبية مثل أدوية السرطان التي تعدّ من أهم الاكشافات التي ساهمت في التخفيف من آلام البشر، وهذا يعني أن هدف صانعيها هو هدف خيّر محض، إلّا أن ما يحدث هو أن شياطين الإنس يقومون بدم بارد وبغياب أي وازع أخلاقي باستبدال أدوية الأمراض المستعصية مثل دواء السرطان بأخرى لا تحتوي إلا على الماء والملح... كلُّ هذا بهدف الربح المادي السريع من دون أي اهتمام بمن مات أو عاش من البشر، ومن دون أيّة محاسبة قانونية تذكر، خاصة أن من يقوم بهذه الأعمال يكون في الغالب مِمَّن يملك السلطة والقدرة على تمرير مخططاته من دون أي اعتراض...
ومن بين صور الاستغلال الطبي نورد نموذج طمع بعض الأطباء وخيانتهم للقسم الذي يحلفونه يوم تخرجهم، حيث يقومون بإجراء عمليات جراحية مخالفة للقوانين البشرية قبل القوانين الأخلاقيه والدينية، فيجرون مثلا عمليات إجهاض للعديد من النساء بشكل سرّي، أو يقومون بقتل الأجنة بعد الولادة من أجل الاستفادة من الأعضاء البشرية أو الخلايا الجزعية خدمة للأغنياء من البشر الذين يبدون استعدادهم لدفع الغالي والنفيس من أجل ضمان شفائهم ولو على حساب أرواح الفقراء في العالم.
نموذج آخر على الاستهتار بأرواح الآخرين وخاصة فقراء العالم الثالث، هو ما يحدث في غزة من عمليات إبادة جماعية، وما يستخدم لهذه الغاية من أسلحة محرمة دوليًا يسعى العَدُوُّ من خلالها إلى إبادة البشر والحجر على حدِّ سواء، فتُحوَّلُ مدينةٌ كاملةٌ إلى رماد من أجل إشباع شهوة حفنة من الصهاينة النرجسيين الذين لا يهتمّون إلا بالحفاظ على كراسيهم في السلطة، ويقومون من أجل تحقيق هذه الغاية بالاستفادة من الدعم الدولي لهم، من أجل الاستمرار في عدوانهم ضد شعب أعزل كلّ همِّه الحفاظ على أرضه وعرضه.
إن ما تدَّعيه الدول الكبرى من ترويج لما يُعرَف بحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة، كشفت حرب غزة كذب ادعاءاتها وبطلانها، إذْ إن دفاع تلك الدول عن هذه الحقوق المزعومة مرتبطة فقط بشعوب تلك الدول الغنية، أما إذا انتهكت هذه الحقوق في دول العالم الثالث، فإنه عندئذ لا يسمّى من اعتدي عليه بنساء ولا بأطفال، إنما هم بنظر دعاة الشر إرهابيون مخربون ودواعش وغير ذلك من التسميات التي لم تعد لتنطلي على شعوب العالم كافة، وعلى رأسهم شعوب تلك الدول الغنية التي بادر قسم كبير منهم إلى الاعتراض على سياسات دولهم الهمجيّة، التي لم تطل المجاهدين الأبطال فقط في غزة وإنما طالت الأبرياء وخاصة الأطفال والنساء في هذه المدينة الصامدة.
إن الجهاد الذي يسطر الفلسطيني الغزاوي فيه أجمل الملاحم وأروع الدروس في الدفاع عن الخير، يقابلها ضعف واستسلام من قبل القريب قبل الغريب من أبناء الشعوب ودول العالم بأسره، الذين لا يخجلون من تبنّي وترويج الرواية الصهيونية الكاذبة ومَنْ والاها من قوى الشر التي تسيطر على العالم، إلا أنه مع ذلك، ومع كونه يقف صامدًا مواجهًا لجبروت العالم لا زال هذا الفلسطيني الغزاوي البطل يؤمن بأنّ الخير سينتصر مهما طال الزمن وأنّه "لا يضيع حق وراءه مطالب"، وأنه صاحب أرض وصاحب حق... وكلُّ ما عدى ذلك باطل باطل.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
صراع الخير والشر أم صراع الشر والشر؟
خطر التفاهة على الأبناء
العيد.. عيديْن! رحلة في بلاد الشرق
عرفةُ... اعرِف فيه قلبك
وليال عشر