وليال عشر

     فضّلها ربّ العالمين على غيرها من الأيام كما فضّل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع وكما فضّل شهر رمضان على باقي الشهور وكما فضّل بعض الرُسل على بعض. كثيرة هي العناوين التي كتبت وكلمات ومعانٍ واسعة ترجمت فضل هذه الأيام المباركة من الله تعالى.. وزاد خيرها بإرادته تعالى.. مواسم يخصُّنا بها الله تعالى.. تتلاحق يومًا بعد يوم.. ينتظرها القلب الوجل.. ليتزوَّد من بركاتها ويكمل المسير.

     أكرمنا الله تعالى بالإسلام وهل من نعمة أكبر من ذلك؟ أن تعرف ربّك الذي خلقك فسواك فعدلك.. ثم أكرمنا بالرسالة المحمدية والشرع الحنيف الذي نظّم لنا حياتنا ووضع لنا الحدود والآداب وعلّمنا حسن الخلق والمعاملات.. وحفظ لنا الكتاب المبين القرآن الكريم فقال: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون}.. كتاب محفوظ من لدن حكيم خبير.. سورة بعد سورة.. وآيات محكمات وأخر متشابهات وتأتي سورة الحج  لتبدأ بنداء للناس أجمعين {يأيّها النّاس اتقوا ربكم..}..

      ثم يأتي الأمر بالحج الفريضة والركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلا. فيهب الجمع من الناس المتلهِّفة قلوبهم ليلبّوا نداء الرحمن.. ويجتمعوا على صعيد واحد يوم عرفة في مشهد يذكّرنا بيوم الحشر.. يوم الحساب.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتي الله بقلب سليم.. ثم إنّ هذا الرب الكريم أكرمنا بموسم مبارك وليال عشر..

     ٢٤٠ ساعة كلها مباركة بالذكر مباركة بالتكبير والتهليل والحمد.. وبكل عبادة مباركة بالسجود والركوع.. وفعل الخيرات على أنواعها.. وكلنا نعرف فعل الخير.. وقد قيل: كما يضرّ الناس فعل الأشرار، فإن توقّفك عن فعل الخير يزيد في الشر، فكن أنت من يرجِّح دفة الخير في مجتمعك في أسرتك أولًا ومع أرحامك ومن تحبّ وتخالل، مع جيرانك والأصحاب، ودّ وتزاور، وصدقة وإحسان، كلمة طيبة ووجه طلق وإفشاء للسلام، خيرات وخيرات وكل ما يخطر على بالك من الخير مبارك بإذن الله تعالى في هذه الأيام، تحمُّلك وصبرك ودعاؤك بتفريج الهم وكشف الكربات، وشفاء للمريض وعودة الأحباب، استغفارك لله عن نفسك وعن المؤمنين الأحياء منهم والأموات.

     كل هذا في ميزان حسناتك بإذن الله تلقاه يوم الحشر وفي الميزان فتقول هاؤم اقرؤوا كتابيه.. فخور أنت بما قدَّمت لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته.. فخور أنك لم تعصِ الله لا في الجهر ولا في الخلوات.. فخور أنك عرفت فلزمت التقوى واستشعرت وجود الله وقدره فخفته في الدنيا لتأمن يوم الحساب.. فخور لأنك كنت تنتظر المواسم فتتزوَّد بخير زاد..

     إنها التقوى، وفعل الخير، وخاصة في الليالي العشر..