جَوَّاد يوم عرفة.. تأثّرًا يما يجري في غزة

حدَّثني مَن أثق به وأُجِلُّ مقامَه حديثًا عَجَبًا، وأنبأني نبأً وَعَتْه أذني حتى قَرَّ في قلبي، كان ذلك يومَ القَرِّ ثاني أيَّام عيد الأضاحي.
إنَّه نبأُ رجلٍ لم تبلغ تجارته مبلغًا يأذن له بِإنفاقٍ نَدَر مثيلُه، وعزَّ نظيرُه! هو محسنٌ من أُمَّة الإسلام؛ أُمَّة الإحسان، خير أُمَّة أُخرجت للناس، أمَّةٌ الرجلُ منهم بأمَّة! قد بلغ مسامعَه حال إخوانٍ له في غزَّة: قتلٌ، جرحٌ، أَسْرٌ، تشريدٌ، فاقة، جوعٌ، عطشٌ، مرضٌ… نكَّل بهم عدوٌّ لم يدَع لوحوشِ غابٍ كاسرة مَنْفَذًا إلى افتراس! ولا مسلكًا إلى انتهاش! عدوٌّ لم يَسلم منه حجرٌ إلَّا دمَّره، ولا بشرٌ إلَّا أَحالَه أشلاءَ متناثرة، حتى لم يُعلَم أهلُها، فوُزِنوا بتقريب وزن إنسانٍ، ثمَّ دُفنوا أشلاءً ممزَّعةً كما هم!
فاضت عينا الرجل حَزَنًا ألَّا يجدَ قوَّةً ينصر بها أمَّته، ولا نِكايةً ينكأ بها عدوَّهم، لكنَّه وجد وُسْعَ يدٍ نفقةً، هي عظيمةٌ لحُسن نيَّة صاحبها، قبل عَظَمَتِها بمبلغها، قد جادَت بها نفسه، وأنفقها قلبُه قبل يده، مبالغُ هائلةٌ (بلغت مئات آلاف من الدولارات: 220 ألفًا) أدَّاها متتابعةً خلال أشهر يُردف بعضَها بعضًا لحملة (طوفان الأمل) المعلنة من 600 يوم من جمعية الاتحاد الإسلامي إغاثة لأهلنا المنكوبين في غزة؛ فهو لا يكاد يُنفق فتقع نفقته موضعَها لمستحقِّيها، حتَّى تراه يبسط يده كَرَّةً أُخرى؛ حتَّى إذا طلعت شمس يومِ عرفةَ "خير يومٍ طلعت فيه الشمس" أذهلنا الرجل بنفقةٍ سخيَّة – بلغت دفعة واحدة 50 ألف $ - أدَّاها منشرحًا بها صدره، مطمئنًا بها قلبه، تعلو مُحيَّاه بسمة اليقين! وهو - مع ذلك كلِّه - عبدٌ تقيٌّ خفيٌّ: لا يحبُّ أن تعلمَ شمالُه ما تُنفق يمينُه، وقد أكَّد على حاملي الأمانة إلى أهلها أن لا يُذكرَ اسمُه لهم، ولا لغيرهم؛ إخلاصًا لربِّه وطلبًا لرضاه.
إنَّه مُحسن العَشْرِ، جوَّاد عرفة.
فهل ثمَّة ريبٌ - بعد صنيعه هذا - في أنَّ أُمَّة الإسلام هي خير أُمَّة أُخرجت للناس؟!
بُشراك أُخَيَّ بإخلافِ بَدَلٍ مباركٍ لك في الدنيا، وحفظٍ لك ولأهلك من السوء، وإضعاف أجرٍ لك في الآخرة.
{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٦١].
"مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلا مَلَكانِ يَنْزلاَنِ، فَيقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تلَفًا"[متفق عليه]. هذا في كلِّ يومٍ، فما ظنُّك في يوم عرفة؟!
نعم، المَلَكُ يدعو لك، ولأمثالك من أهل الإحسان. وأهلُنا في غزَّة - ونحن معهم - يقولون، ونقول: آمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
جَوَّاد يوم عرفة.. تأثّرًا يما يجري في غزة
صراع الخير والشر أم صراع الشر والشر؟
خطر التفاهة على الأبناء
العيد.. عيديْن! رحلة في بلاد الشرق
عرفةُ... اعرِف فيه قلبك