عام البكاء! ثمّ النّصر...

انتهى عام 2024، عام الحزن والبكاء على أحبابنا في غزّة!
تألَّمنا من حجم الظلم والإجرام والطغيان الذي صبَّه المجرمون اليهود عليهم صبًّا بلا حدود وبلا قياس وبلا عقل، متجاوزين كلّ القوانين والحدود والخطوط.
بكَيْنا الشهداء والنازحين والأطفال الذين امتلأت قلوبهم بالخوف من أصوات الحرب ومن الهروب إلى المجهول ومن مشاهد الموت ورائحة الموت، بكيْنا النازفين والأيدي والأرجل المبتورة، بكينا قطع اللحم البشري المتناثرة بعد القصف العنيف على مدرسة أو مستشفى أو مسجد، بكيْنا المحروقين في الخيام، والمرتجفين برْدًا وجوعًا، بل كادت قلوبنا تتوقّف عندما رأينا الكلاب تنهش لحوم الشهداء!!
بكَيْنا خسارة العالِمَيْن ختام وسفيان! والشاعر رفعت الذي قال يخاطب العدوّ: كلّما اقتلعْتَ - قَسْرًا - حياة حبيبٍ سنحيا ونحيا، ونحسبه الآن حيًّا عند الله يُرزق!
بكيْنا كما لم نَبْكِ من قبلُ فَقْدَ أبطال ثلاثة، هم فخرٌ في تاريخ الجهاد والتضحيات: إسماعيل هنيّة، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف!
بكيْنا الشهداء الذين أحببناهم من خلال وسائل التواصل: أبو ضياء جدّ «روح الرّوح»، والمنشد حمزة صاحب «مع السلامة يا مسك فايح»، بكيْنا الرسّامة محاسن التي قالت: أحاول أنْ أظلَّ على قيد الحياة وفي اليوم التالي فارقت الحياة!
بكينا الدكتور عدنان أشهر جرّاحي العظام في غزَّة والذي عذَّبه اليهود النازيّون فمات شهيدًا، بكيْنا اعتقال الدكتور الكحلوت مدير الدفاع المدني، والدكتور حسام أبو صفيّة: قتل المجرمون ولده فصلّى عليه وهو يبكي، ثمّ عاد إلى عمله، إلى أن جاءه الأمر بإخلاء المستشفى وتسليم نفسه، فترجّل الفارس نحو دبابة العدوّ ثابتًا قويًّا شجاعًا بطلًا في مشهد عظيم مهيب لا نملك معه إلّا أنْ نشهقَ بالبكاء لعجزنا وحسرتنا وقهرنا!!
بكيْنا الصحفي أيمن الجدي الذي مات بينما كانت زوجته تضع مولودهما الأوَّل، وقبله بكيْنا إسماعيل وسامر وعائلة وائل الدحدوح!
بكيْنا قتل المساجد والجامعات والمدارس والمنشآت والمنازل والحيوانات والنباتات! بكيْنا غزَّة التي لم يبقَ فيها ما يثبت أنّها غزَّة إلا شهداؤها... ومَن بقي من أحيائها الصابرين المجاهدين.
بكيْنا خذلان أُمَّتنا وخياناتِها وهوانها.. عامٌ وشهورٌ وأهلنا في غزَّة يستصرخون ويصوّرون ويناشدون ولا مجيب!
لكنَّهم، وسط كلِّ ذلك الجحيم ما نسَوْا يومًا نشر التفاؤل والأمل وحُسْن الظنِّ بالله.. إنّ صبرَهم ورضاهم دروس لكلِّ مُنْكِر أو مُسْتَقِلٍّ لِنِعَمِ الله عليه..
إنّ استعمالَهم غير المتاح لإيجاد بدائل متاحة ابتداءً من الطعام وانتهاءً بالصواريخ والسلاح، هو إعمال عقل وإبداع وإعجاز.
إنّ تفقُّدَهم أحوال الناس في الخيام وتوزيع الأغطية والألبسة والأحذية وما تيسَّر من مال هو الرحمة والإيثار.. إقامةَ خيام حفظ القرآن ومراجعته والمحاضرات وخيام التدريس والتعليم، وإقامَ الصلوات والجماعات فوق أطنان الردم، هي دروس في الثبات على الإيمان وقوَّة العزيمة.
تشبُّثُهم بأرضهم والجدار الذي بقي من منازلهم أعاد من جديد حكاية فلسطين المنسيَّة، وعرَّف من لا يعرف ما فلسطين ومن الذي اغتصبها، عرفوا الحقّ والباطل، فدخلوا في دين الحقِّ أفواجًا..
أمّا بطولات المجاهدين في غزّة فقد أدهشتنا وفسَّرت لنا ماذا تعني: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة}، و{ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون} ومعنى {تُرهبون به عدوَّ الله وعدوَّكم}، «وإنه لجهاد نصر أو استشهاد»، {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، ومعنى «الله أكبر»، والمسافة صفر، والالتحام مع العدوّ والقنص والعمليّات المركَّبة، وأنّه لا نصر إلّا بالجهاد والقوَّة.
حكايات مؤلمة وبطولات، هي خبرات وتدريب لحكايات النصر القادمة والتي بدأت بفرج الله بعد طول ابتلاء، فتُعقَد هدنة رغمًا عمّن أشعل نيران الحرب ورغمًا عمّن راهن على القضاء على أهل غزّة ومجاهديها، وعمَّن حاصرهم ومنع خروجهم ومنع عنهم الماء والغذاء والدواء.. ورغمًا عن المتفرِّجين والمشاركين والشامتين.. هدنة شروطها كما أرادها أهل غزّة، وكلّ العالم أخذ يترقَّب موافقتهم عليها!
إنّه واللّهِ لَنصر، وستتوالى حكايات النصر في قادم الأيّام بإذن الله، سيُطرد المحتلّ، وتُحرَّر فلسطينُ كلُّها، وسيلتقي المخلصون قريبًا في المسجد الأقصى نصلّي معًا صلاة الفتح والنصر المبين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
عام البكاء! ثمّ النّصر...
مؤشرات تَعافي الاقتصادَيْن السّوري واللبناني
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء السادس
وجوه النفاق.. في الدين والحياة
تأثير التنمُّر على نفسيّة الطفل