مطلّقةٌ.. إذ تبوح!
“وحيدةٌ.. وليس بالأمر الجديد عليّ.. فحين كنت متزوجة كنت وحيدة أيضاً!
حمّلوني نتيجة الخلع وأنني السبب في تفكك الأسرة ودمارها وفي تشريد الأبناء وانعكاسات الطلاق عليهم.. كأنني من أراد ذلك وسعى له سعيه! ودمار حياتي من المسؤول عنه؟! وشتات روحي.. وفَقدي للاستقرار والحب والحنان والسكن؟! هل أنا من نسفتهم من زواجي أيضاً؟!! قد أخذت القرار بنفسي لأُنهي مآسٍ استفحلت.. ولكني لم أختر أن يعشعش الخصام بيننا ولم أشأ أن يكون ذلك البيت مسكناً دون سكن!!
لستُ أنانية.. ولكني بشر.. ولكلٍّ طاقة تقوى على التحمل وقد عيل صبري! حاولت الاستمرار فتحطمت الآمال على صخرة الخلافات..
قد حذفت تلك الأيام الملوّثة بالألم، المُفعمةِ بالوجع.. ولكنني أرزح تحت نير الوحدة والحاجة.. أموت موتاً بطيئاً دون أن يشعر بي أي أحد!
أتوق لأجد روحاً تضمّني.. وأحلم أن هناك بين هذه الجموع مَن تهفو روحه إليّ وتنتظر لقائي.. هل يُعقل أنه لا يوجد بين مليار وملايينه الثلاثة “رجلاً” واحداً لي؟! أضع رأسي على صدره في الليالي الموحِشة ليقتل الصقيع في جنبات الحياة؟!
هل هو كثير ما أطلب؟ سكنٌ وسكينة! هل أخطأت إذ تمنيت قلباً يسكنني وأسكنه؟ ألا أستحق؟ ألستُ بروح؟!!
قرأت كلاماً في إحدى مقالاتك لمحمد قطب “يقول إنسان لنفسه: إنني أحس في أعماقي بحنين إلى الجنس الآخر، ورغبة قوية في اللقاء بأحد أفراده، والامتزاج معه، والإفضاء إليه، والإتحاد الكامل معه حتى كأننا شخص واحد لا شخصان منفصلان“.. هذا ما أريد.. لست بفاسقة ولكنني إنساااان من خلق الله الكثير ولي نفس الرغبات وعندي فطرة زرعها الله تعالى في ذاتي وهي تحتاج ارتواء!
قدرتي على التحمل قد تلاشت.. فار تنور مشاعري وصبري غاض.. لن أسخط بل راضية.. أريد أن أكون قوية أكثر ولكن فَقَد الصبر النطق في حضرة الحاجة!
يتصارع عقلي مع قلبي.. يواجهه بالواقع: كل شيءٍ في هذه الحياة رزق.. والحب رزق.. والزواج رزق.. والوِفاق رزق.. والله جل وعلا قد اختار الأفضل.. وما إن يعلو صوت العقل حتى يُخرِسه القلب: أنا مكلوم!
أكره كلمة مطلقة.. تحرقني.. تغصِّصني بريقي.. أكره نظرات المجتمع وأفكاره الغريبة تجاه المطلقات.. أكره تقرّب العابثين لغاية آنيّة.. أشعر أحياناً أنني قطعة لحم يحوم حولها ذباب كثير لأنها مكشوفة! وهذا مؤلِمٌ مؤلِم!
أكره طريقة تفكيرهم! حتى هو.. والد أولادي المخلوع.. حين رحل قال لي: ستبقين خادمة للأولاد فلن يرتبط رجل بمطلقة معها عيال! وأنا سأتزوج فتاة عزباء صغيرة وأعيش حياتي كما أريد!
آلمتكِ.. سامحيني.. ولكني متعبةٌ متعبة.. قد فقدتُ الأمل أن أجد سكني.. وأحاول التعايش مع هذا الألم.. ولكني أشك في قدرتي.. وأخاف الفتنة.. والله المستعان!”..
طويتُ الرسالة.. ولم أستطع أن أمنع الدموع من بوحٍ آخر..
خططتُ لها كلمات وتساءلت هل سَتَفي؟!
“أخيتي في الله.. الدنيا دار ابتلاء.. وممر للآخرة موحِش.. فتزوّدي بالصبر والرضا والقناعة ما تحتاجينه للطريق.. “والحياة” هناك.. عند ربٍ كريم في جنّاتٍ أُعِدّت للقانعين الحامدين.. “وبشِّر الصابرين”..
ولتتفكري في غاية هذا الابتلاء.. فهو والله رِفعة للمؤمن فلا يكون البلاء إلا للتمحيص والتثبيت والتطهير!
ولله جل وعلا حِكمة في كل شيء.. وفي منعه لزوجٍ صالح –إلى الآن- حكمة لا ندركها بعقلنا القاصر.. واسمعي لقول الحسن البصري رحمه الله تعالى إذ يقول “لا تكرهوا البلايا الواقعة والنقمات الحادثة.. فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ولَرُبَّ أمرٍ تؤثِره فيه عطبك”.. وأخيّة.. “عجباً لأمر المؤمن إنّ أمره كله خير”!
ثمّ.. أنطلب الغالي بالرخيص؟ مهرها النفوس وما أدراكِ ما هيّأ لكِ ربي جل وعلا جزاء صبرك وإيمانك به؟..
إياك والاستسلام.. إياك ورمي السلاح.. واجهي قدرك واثبتي..
فقدتِ السكن؟ تملّكتكِ الرغبة والحاجة؟! ولكنكِ رُزقتِ الولد والعلم والأهل والصحة والعقل وما ربي جل وعلا أعلم به مني.. أَوَتَتخيّلين أنّ الله تعالى مُعطي مَن أحب كل ما يحب؟! فأين أنتِ مِن “وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا”.. وأين أنتِ مِن “أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل”.. وأين أنتِ مِن “إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع”.. وهل تعتقدين أن الابتلاء سيكون فيما لا نحب ولا نريد ولا نحتاج ولا نرغب؟! أيُعقَل؟! فتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً! وبوركَ فيمَن رضي وشكر..
خلعتِ.. ومررتِ بتجربة أَخْرَسَت الفرح في عمرك.. لا تَرْكَني.. بل انخرطي في مجتمعك.. أرشِدي ووجِّهي كي لا تقع غيرك بما وقعتِ فيه.. كوني اليد الحانية للكثيرات اللواتي يحتجن كلمة أو نصيحة أو لمسة عطف.. ولكن إياك أن تستسلمي! وحين تجدين ثمرة ما تحصدينه من اهتمام بالآخرين وبما تقدّمينه للمجتمع فستسعدين.. لا شك أنك سترتاحين وربما شغلتكِ هذه المشاريع التي تصبّي مجهودكِ فيها لخدمة الأمّة عن آلامكِ واحتياجاتك النفسية.. ستقلّ صدقيني.. لن تموت ولكنها لا بد ستقلّ!
وإياك والميل لكلام المجتمع.. سيحرقك ولن يفيد.. واعلمي أن الله جل وعلا إن قدّر لك الزواج فسيرزقك برجل واعٍ ليس مجبولاً على الانصياع لتقاليد بالية ولهواجس وضيعة.. فإن لم يأتِ هذا الرجل فمعكِ الله جل وعلا.. ومن وجد الله جل وعلا فماذا فَقَد؟! هل سنبكي طول عمرنا على حرماننا من كائن وفي قلبنا المكوِّن جلّ وعلا؟!
لستِ وحدكِ من يعاني أخيّتي.. بل معكِ الآلاف.. قد يكنّ مطلّقات.. وقد يكنّ ثيّبات أو أرامل.. وقد يكنّ فتيات فاتهنّ قطار الزواج وما زلن ينتظرن.. وقد يكنّ متزوجات ويحلمن بالسكن! وكلٌّ يُمتحَن فهل تنوين الرسوب في الحياة أخيّة؟!
نصيحة أخيرة حبيبة.. إياكِ أن تسمحي لأي رجل مهما كان ملائكياً أن يدخل حياتك إلا من باب بيتِ أهلك.. فالكثيرون يريدون المساعدة ولكنهم عند تقاطع للطريق يختارون الرحيل.. يزرعون ويسقون هنا ويحصدون في ناحية أُخرى.. يقتحمون ليساعدوا.. ثم حين يحق الحق يمضون.. وكل ما يكون منهم “اعتذار”.. فتتكسر النصال على النصال!
وبالنسبة لشريحة كبيرة المطلّقة هي “دون” في حين أنها في معظم الأحيان شفافة رقيقة تكسرها أي كلمة أو نظرة بعد أن كسرها الطلاق.. فاحذري السماح لأي أحد أن يخدشك!..
أريدك قوية.. بإيمانك وثباتك وتحدّيك وإصرارك.. فلا تجزعي وانطلقي في حياةٍ هي كما ذكرت لك.. دار مرور.. وانثري وروداً على الجراح.. وتبسمي لها.. فهي طريقك إلى الجنّة بإذن الله جل وعلا.. “إن” صبرتِ!
.. أفتبخلين؟!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة