سؤال في العمق
... ولكن كيف تغرسين العقيدة السليمة في قلوب صغارك
سؤال وقع على قلب إيمان فمزّق أغطية الغفلة التي كانت ترتديها. إحساس عميق بالتقصير الشديد - تجاه أبنائها بل وتجاه نفسها أيضًا - سكنها، وقفزت إلى ذهنها تساؤلات؛ إذ كيف ينجز المرء أمرًا ناجحًا دون رسم خطة عمل؟
يبدو أن أُم الصغار سمعت إيمان تنتقد وبشدّة مَن يعتمد العشوائية أسلوبًا تربويًا؛ إذ قالت:
إن مَن يتخذ العشوائية أسلوبًا له ومنهاجًا تراه يهدم اليوم ما بناه بالأمس؛ فهو مشتت الذهن ممزّق القوى، وإنْ كان هذا حاله فكيف يحقِّق أهدافه، إن استطاع أن يحدِّد لنفسه هدفًا؟ بل كيف يتم له البناء وهو على هذه الحال؟
ولعلّ المسلم الحصيف هو الذي يرسم خططه ويبين منهاجه لتربية إنسان كريم على الله، كبير بين عباده
لذلك ولغيره ظنت "أم الصغار" بإيمان علمًا غزيرًا وخيرًا وفيرًا، فبسطت بين يديها ذاك السؤال الذي يستحق البحث الممنهج كما وصفته إيمان - وهي الناظرة في كتب التربية والباحثة عن الأفضل أسلوبًا والأحسن أداءً والأعمق أثرًا - من أجل ذلك وصفت إيمان نقطة انطلاقها التربوية فأجابت:
• في واقع الأمر أنا أربي العقيدة لدى أبنائي أثناء تعليمهم للسورة من القرآن الكريم... ثم تحدثَتْ عن التوحيد الخالص في سورة "الإخلاص" العظيمة، ثم ذكرت أنها علّمتْ صغارها "مبدأ " كل ما خطر ببالك فالله سبحانه بخلاف ذلك"... وكانت "أم الصغار" تصيخ السمع لحديث إيمان التي أنهته بسؤال: "فماذا ترَيْن يا حضرة الدكتورة؟" - باعتبار أن أم الصغار طبيبة - رفعت الطبيبة رأسها وأسندتْ ظهرها، وبثقة بالغة قالت:
نحن يا أختي الكريمة أمة مسلمة ومجاهدة، وعليه يتحتم على الأمناء منا أن يغرسوا في قلوب الناشئة معنى الإسلام الحقيقي ويعلِّموهم أركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان الستة.
• ولكن كيف وهذه مبادئ عظيمة يَعْسرُ فهم العقول الصغيرة لها؟" تساءلت إيمان، فأجابتها الطبيبة:
يمكننا تبسيط الأمور للصغار، فمثلًا: نعلِّمهم ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده"، فكم تحجّمت مشاكل الصغار عندي وقَلّت بفضل هذا التوجيه النبوي الرائع! وإني أحاول جاهدة أن أبتعد عن صيغة الأمر عند توجيه صغاري، لأني أرى في التوجيهات الإلهية والنبوية ما يحقق أهدافي وأهداف البشريّة قاطبة
• فنظرت إيمان لمحدثتها قائلة: وكأنك تقصدين بذلك أن نوجّه الصغار بذكر الأوامر والنواهي الإلهية والنبوية، لعمري هذا عمل جليل يحتاج إلى دراسات معمَّقة واجتهادات موّثقة، فأجابت الطبيبة:
أجل هو ذاك، ولعلّ إحياء التربية الإسلامية الغائبة والمغيّبة معًا هو غاية الأمنيات بالنسبة لي.
ثم انتهت زيارة الطبيبة ولم يتوقف أثر كلماتها أو تغب أبعاد رؤيتها عن ذهن إيمان، حتى وَدَّتْ إيمان أن تكون على مقاعد الدراسة لتنهل يوميًا من علم محدِّثتها، لكنها وعدت نفسها خيرًا، لأن الطبيبة أخبرتها بأنها ستتوجه إلى المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج ومعها والدتها، وكانت قد قدّمت لوالدتها الكريمة هديّة رائعة، وهي تذكرة سفر لحج بيت الله الحرام، معلّلة ذلك بقولها:
لئن غابت أو غُيِّبت التربية الإسلامية عن آبائنا ولم يربّونا كما يحبّ الله، فسوف نبرّهم كما طلب منّا الله ونقرّبهم إليه، فهذا هو البر الحقيقي كما أرى والله أعلم
وبعد أيام غادرت الدكتورة بصحبة والدتها وقلبها يرقص فرحًا لأنها - حسب تعبيرها - تَشعر بالامتنان العظيم لبارئها سبحانه، فقد أكرمها بخدمة والدتها في أطهر البقاع وأفضل الأيام، ولم تنسَ أن تطلب من إيمان الدعاءَ لها بظهر الغيب والاستعداد لمفاجأة ما بعد الحجّ.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن