اثبت حذيفة هذا الزمان
"إذ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدا" الأحزاب 11:10
المشهد الأول: مجموعة من صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم يذهبون معا لقضاء حاجتهم في حراسة بعضهم البعض خوفا من الكفار المتربصين حول الخندق يحاصرونه من كل جانب، إلا جانبا واحدا يحرسه اليهود الذين لا عهد لهم ولا ذمة، البرد شديد، والجوع شديد، والخوف أشد، المرجفون في المدينة يطلقون الشائعات، محمد وأصحابه أتوا إلى المدينة وأتوا بالعدو معهم، كنا في أمان، الآن نخشى أن يتخطفنا الناس من بيوتنا، ضاع الأمن، غدا سوف يجتاحون المدينة ويقتلون كل من فيها بسبب محمد ومن معه.
المشهد الثاني: رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أصحابه، يحيطهم الحب والأخوة الصادقة واقتسام الأمان والدفء واللقيمات الصغيرة، يتهامسون فيما بينهم، فالليل البهيم تسري فيه الأصوات فيجلب معه الخوف من عدو يترقب، عدو قريب عجزت الفئة المؤمنة بكل ما أوتيت عن أن تتصدي له، يطلب منهم الحبيب أمرا، يا للحيرة التي تجتاحهم والخوف الذي اعتراهم وهم صحابة رسول الله المقربون، من تربوا في بيت الأرقم وربوع مكة والمدينة، من شدة الهول ومن شدة البأس، ربما دارت في خواطرهم تساؤلات عن طلب رسول الله، هل هو أمر؟ أم مجرد طلب؟ ثم حتى إن كان طلبا، فمن يجرؤ علي رد طلب رسول الله، هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، الذين كانوا يسارعون في مرضاته حتى يقول أحد سادات مكة: لم أرَ حب أحد لأحد مثلما رأيت حب أصحاب محمد لمحمد، خير من أشرقت عليهم الشمس بعد الأنبياء. "من يأتيني بخبر القوم؟" .. الخطب شديد، والبرد شديد، والخوف شديد. لا أحد يرد، فيكرر الرسول الكريم عليهم طلبه مع حافز كبير "من يأتيني بخبر القوم وأضمن له الجنة؟" الله يا رسول الله، الجنة؟ وماذا بعدها من مطلب؟ أليس مطلبنا الشهادة؟ أليست غايتنا الجنة؟ أليس خروجنا وتحملنا وسنواتنا كلها من أجل الجنة؟ .. لم يخرج أحد من الصحابة.. لم يرد أحد، الأمر ما زال حتى هذه اللحظة اختيارا، عرض من الحبيب لمن يتطوع.. تزداد المكافأة "من يأتيني بخبر القوم وأضمن له الجنة وأضمن له أن يعود؟" لم يجب أحد، فيقول النبي القائد صلى الله عليه وسلم " قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم ولا تذعرهم علي" . الآن قد صار الأمر جدا، وصار أمرا واجب النفاذ، فليس لولي الأمر في طاعة الله عصيان، يخرج حذيفة ملبيا أمر النبي، وهنا تظهر بركة الطاعة وبركة صدق الإيمان والعقيدة، الصحابة مجتمعون يلفهم البرد، وحين يطيع الأمر تتحول الأسباب الإلهية كلها بكلمة كن فيكون، يرويها حذيفة بنفسه حين يقول " فمضيت كأنما أمشي في حمام فإذا أبو سفيان يصلى ظهره بالنار فوضعت سهمًا في كبد القوس وأردت أن أرميه ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذعرهم عليَّ ولو رميته لأصبته فرجعت كأنما أمشي في حمام فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابني البرد حين رجعت وقررْت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسني فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائمًا حتى الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا نومان".
لم يحدث فيهم حذيفة أمرا، لم يطلق سهمه وقد كان قادرا أن يقتل سيدهم فينهار معسكرهم، امتثالا لأمر النبي القائد، لتكون كلمة الله كذلك، أسباب الله، جنود الله، أوامر الله، إرادة الله، يجند الله الريح فيسلطها عليهم، ريح ربانية بأوامر ربانية ليحملوا متاعهم ويرحلوا مهزومين بلا قتال بعد أن تم الاختبار الكامل للفئة المؤمنة والناجح في الثبات والطاعة
" ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا"
المشهد الثالث: غادر السيارة أيها إلـ ........ هل في هذه السيارة منتقبات؟ انزلن منها أيتها ............ لا مكان لكم بيننا!
لا مكان للطهر والعفاف والدين، نهايتكم اليوم علي أيدينا، نهاية فكرتكم ودعوتكم، احرقوا مقراتهم، اقتلوا شبابهم، تعدوا علي حرماتهم.
ثم ملايين من أطهر الشباب، وأطهر النساء وأطهر الرجال يجتمعون في ميدان رابعة لهم نداء واحد على قلب رجل واحد أن نعم للشرعية والشريعة، ملايين يجتمعون لحظة الأذان ملبين نداء الله داعين أن يفرج الكرب عن بلادنا وأن يرحمنا مما يفعل بها السفهاء، هذا غير ملايين غيرهم منعتهم الموانع. شباب طاهر يغض طرفه يقدس الحرمات، ويقدرها ويفديها بدمه.
المشهد الرابع: في التحرير, مجموعة من ...(عفوا فلم أر بهم علامات البشرية حتي أذكرها)...... يتحرشون بكل فتاة تقترب من الميدان، حفلات رقص غريبة، سباب وشتم يندى له جبين الرجال ولا يستطيع بشر طبيعي أن يتحمله، خمور، مخدرات، أموال تنفق ببذخ في سبيل لا شيء سوى إحداث حالة من الفوضى في البلاد، عتاة المجرمين، أسلحة بكل أنواعها، سكارى يتراقصون على أشلاء الوطن مهددين متواعدين كل من يرفع للحق راية.
تلك هي المشاهد أيها السادة الآن، حرب منذ الأزل وإلى قيام الساعة بين الحق والباطل، تجمع كل أهل الفساد في سلة واحدة، وتجمع كل أهل الحق في جبهة واحدة لتكون كلمة الله هي الباقية والفاصلة دوما.
واليوم يخشي البعض علي الإسلام، ويخشون علي جماعة الإخوان المسلمين إثر حرق مقراتهم أو استشهاد شبابهم, ويفرح البعض الآخر ظنا منه أنها بداية نصر للمهزومين الجبناء، يحزن البعض علي ارتقاء الشهداء واحدا تلو الآخر من أفراد الجماعة وينادي بالتراجع والتخاذل في مواجهة الغوغاء واللصوص، وأنصح هؤلاء أن يقرؤوا تاريخنا ويعلموا من نحن، من هم الإخوان المسلمين الذين بايعوا الله ورسوله علي الجهاد والموت في سبيله، الإخوان الذين شرف التاريخ بوجودهم ثابتين على الدرب لم تهزهم ريح أي تغيير، طغاة خلف طغاة يسومونهم المر في سبيل طيهم تحت أجنحة الطاعة والامتثال للظالمين ترغيبا وترهيبا، فما وهنوا وما استكانوا يوما.
فليحترق ألف مقر، ليرتقِ ألف شهيد، الدعوة باقية طالما بقي الزمن، إن كنا أصحاب دنيا ما كنا بايعنا على الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، ولو كنا طلاب منصب وسلطان ما كنا أصحاب السجون والمعتقلات، نحن من عاهدنا الله على الجهاد والموت، وتلك لحظات الثبات وإثبات الصدق مع الله، لقد عمل الإخوان بلا مقرٍ ثمانين عاما ولم تسقط دعوتهم، عملوا من داخل السجون وفي الشوارع، وفي الجامعات وبين البسطاء الذين ينتمون لهم، دعوتنا باقية بعز عزيز أو بذلك ذليل، وغدا سوف يندم أناس على واقعهم المتخاذل، ويفرح المؤمنون بالنصر المبين، غدا سوف نحتفل بالنصر مع حذيفة هذا الزمان الذي تحرك، وترك خلفه بيته وزوجه وولده، بلا عائل وبلا معين، سوف يأتينا النصر بنساء كالرجال في الثبات والعطاء، غدا سوف يأتينا النصر برجال قوامين صوامين أطهار لم تثنهم شدة الحر ولا مشقة السفر ولا احتمال الموت المحلق فوق الرؤوس عن الرباط في سبيل الله. اثبت حذيفة، اثبتي أختي الكريمة يا من ثبتك الله ردحا طويلا. فإنما النصر صبر ساعة.
اللهم اكتب لنا الثبات والصبر والنصر المؤزر الذي وعدت."إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن