الحياة بدون إنترنت
قبل أكثر من 25 عاماً،لم يكن الإنترنت أكثر من فكرة طورها خبير المعلوماتية المغمور البريطاني (تيم برنرز لي)، الذي كان يعمل في مختبر تابع للمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، عندما أعدّ تصوراً لطريقة يمكن من خلالها الوصول بسهولة إلى ملفات على أجهزة كمبيوتر مترابطة في ما بينها. وقام بتدوين هذا التصور بشكل رسمي في مقالة صادرة في 12 مارس 1989 تعتبر وثيقة ولادة لما بات يعرف بـ»الشبكة العنكبوتية العالمية». وسرعان ما غيّر هذا الاختراع حياة مليارات البشر حول العالم، فأصبح وسيلة حياة لمعظمهم إذ صاروا يعتمدون على الإنترنت اعتماداً كلياً في كل شيء.
السؤال المطروح..
لو أننا استيقظنا ذات صباح لنجد الإنترنت ليس له وجود في حياتنا، فما هي التداعيات المتوقعة؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نلقي نظرة على بعض الإحصائيات المهمة حول الإنترنت...
قبل عقد من الزمان كان عدد المستخدمين للإنترنت حول العالم لا يتجاوز 1% من إجمالي السكان، ولكنّ هذا الرقم ارتفع اليوم ليتجاوز 3 مليار مستخدم للإنترنت و7 مليار مشترك للهواتف الذكية.
وهذا رسم بياني يوضح زيادة عدد مستخدمي الإنترنت منذ ظهور الشبكة تجارياً:
وقد نشرت كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية عام 2014 تقريراً خاصاً بالعالم العربي تضمن البحث في توجهات استخدام الإنترنت والهاتف الذكي في جميع الدول العربية حيث تم نشر استبيان على القاطنين وتمت استجابة 3000 شخص، وفيما يلي بعض الرسوم البيانية التي وردت في التقرير مع الوقوف على النتائج وتفسيرها إحصائياً:
• 28% من أفراد العينة يمضون 3-4 ساعات على شبكة الإنترنت.
• 12% فقط من أفراد العينة يمضون أكثر من عشر ساعات على شبكة الإنترنت.
• 4% فقط يمضون أقل من ساعة واحدة على شبكة الإنترنت.
• 27% من أفراد العينة يستخدمون مواقع الإعلام الاجتماعي للحصول على الأخبار والمعلومات حول مختلف القضايا.
• 27 % أيضاً يستخدمون مواقع الإعلام الاجتماعي للتواصل مع الأصدقاء والعائلة.
• 7% فقط يستخدمونها لأغراض مهنية، و14% فقط يستخدمونها للبحث عن فرص عمل أو وظيفة.
• أقل من 7 % يستخدمونها لتبادل الآراء أو الأنشطة السياسية.
• 94% من أفراد العينة أشاروا إلى أنّ استخدام الإنترنت يحسّن النشاط الاجتماعي.
• 94% من أفراد العينة وافقوا على أن الإنترنت وفر لهم المزيد من موارد وفرص التعلم.
• 61% من أفراد العينة وافقوا على أن الإنترنت عزّز تفاعلهم مع الحكومة.
• 79% من أفراد العينة أشاروا إلى أن الإنترنت جعلهم أكثر انخراطاً في شؤون مجتمعاتهم.
• 61% من أفراد العينة وافقوا على أنهم لا يستطيعون العيش من دون الإنترنت.
• 59% من أفراد العينة وافقوا على أن الإنترنت يمثل تهديداً لخصوصياتهم.
• 85% من أفراد العينة وافقوا على أن التواصل عبر الإنترنت حلّ محلّ أشكال التواصل التقليدية.
• 72% من أفراد العينة وافقوا على أن النشاط عبر الإنترنت عطّل النشاط الاجتماعي الطبيعي.
• 32% من أفراد العينة أشاروا إلى أنّ الإنترنت مصدر إلهاء في حياتهم.
بعد كل ما عرضنا.. ماذا سيحدث إذا اختفت هذه الخدمة من حياتنا؟
آراء الناس
قمنا بتوزيع استبيان على 55 شخصاً فخرجنا بالآتي:
- أمور قد تقوم بها بحال اختفى الإنترنت من حياتنا نهائياً:
• عبد الله (دراسات عليا): بحال لم يعد للإنترنت وجود فسأقوم بالتركيز على التواصل الشخصي المباشر والاستمتاع بعلاقات حقيقية والقراءة بشكل أعمق لروائع الأدب العالمي.
• محمد أبو أيمن (دراسات عليا): العودة إلى البحث عن المعلومات المطلوبة والتواصل بالوسائل التقليدية، مع البحث عن بدائل للحصول على المعلومات، وأيضاً البحث عن عمل آخر لأن عملي بات يعتمد بشكل أساسي عليه.
• هلا (موظفة -دراسات عليا): أهتم بالزيارات وخاصة الأقارب والأصحاب، وأعود للتمتع بقراءة الكتب الورقية، كما أنني سأفكر ببدائل لتسلية أولادي.
• علي أبو محمد (موظف -جامعي): البحث عن عمل جديد!! لكون عملي الحالي قائماً عليه، بالإضافة إلى البحث عن بدائل أخرى لتناقل الأخبار والموضوعات المفيدة بين الناس.
• رغد (طالبة جامعية): أعتمد على المراجع بشكل أكبر وأتواصل مع الناس بالطرق التقليدية (الهاتف والرسائل) كما سأعمل على الاستمتاع وقتاً أكبر مع الأسرة بدون أي تشويش بسبب استعمال الإنترنت.
• هدى (جامعية وصاحبة عملٍ خاصٍ): سأبدأ بحفظ القرآن الكريم وأتسجّل بنادٍ رياضي للاهتمام بالصحة، بالإضافة إلى زيارة الأقارب.
• أحمد (طالب ثانوي): سأقوم بقراءة بعض الكتب والمنشورات والأبحاث التي تُفيدني في المدرسة والجامعة، كما سأقوم بزيارة الأقارب والأصحاب بغرض وصل الرحم.
• مها (ربة منزل): سأعود إلى الكتب وسأقضي وقتاً أطول مع عائلتي.
• إلفانا (جامعية -ربة منزل): أرجع لقراءة الكتب الورقية ومشاهدة المحطات الإخبارية.
• بيان (ربة منزل): المطالعة وحفظ وقراءة القرآن الكريم والاهتمام بترتيب وتنسيق المنزل بعد أن صار اهتمامي مقتصراً فقط على نظافة المنزل لانشغالي بالإنترنت.
• آمنة (طالبة جامعية): أعود لمشاهدة التلفاز وإعطاء وقت أكبر لحفظ القرآن، كما أنني سأتعلم الطبخ وأمارس هوايتي المحببة وهي الاهتمام بأمور التدبير المنزلي.
هل تفضل أن يختفي الإنترنت من حياتنا كلياً؟ ولماذا؟
• أحمد (موظف -جامعي): لا، فهو مفيد في بعض الأحيان لجمع المعلومات وتطوير الخبرات والحصول على أخبار العالم حولنا خصوصاً في ظل هيمنة الإعلام الفاسد على المؤسسات الإعلامية.
• علي أبو محمد: لا، ولكن من الأفضل العمل على ضبطه من ناحية: سلامة التصفح، الاستثمار في الخير وما ينفع قضايا المسلمين، وعدم طغيانه على العلاقات الاجتماعية لا سيما الأسرية منها.
• مها: لا، لأنه يفتح لنا آفاق المعرفة الواسعة ولكن علينا استخدامه بحذر.
• إلفانا: كلا.. سهّل تحصيل المعلومات والتواصل مع الناس في أي بقعة في العالم.
• دلال (موظفة وربة منزل): طبعاً لا، فأهميته لم تعد مقتصرة على التواصل وتحصيل معلومات، بل صار وسيلة تستطيع من خلالها الدفاع عن قضية إنسانية، كما أنه وسيلة لمعرفة أحوال المسلمين في بعض البلدان المنسية وما يلاقونه من معاناة واضطهاد.
* * *
ولإثراء الموضوع بخبرات وتوجيهات المتخصصين، توجهنا إلى الأستاذة عابدة العظم (المتخصصة التربوية والمهتمة بقضايا المرأة) بالأسئلة التالية:
1. ما هي عواقب إدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على الأولاد والأسرة؟
عواقب الإدمان مخزية، فهو يقرب الأصدقاء ويبعد الوالدين، ويجعل المفاسد بين أيدي الأبناء ويحرمهم من التوجيه، وما منهم إلا وسوّلت له نفسه فتح موقع، وبعضهم جرفه تيار التشكيك
والإلحاد، وقد أدى الإدمان إلى ضياع الشباب وتعريفهم بالدعوات الهدّامة، وإلى تراجع اللغة العربية، وجعل أولادنا بلا حيوية؛ فكل واحد جالس في زاوية وعلى حال واحدة، يضحك فجأة بصوت مرتفع أو يأتي بحركات في وجهه، ومَن حوله لا يعرفون ما الذي أضحكه وما الذي أثار حفيظته!
أما عواقبه على الأسرة فهي جد محزنة، فهو يورث التفكك الأسري، ويذهب بالود والمرحمة، ويقضي على الآداب الاجتماعية، ويحرم الأولاد من تعلم الدين والقيم، ويجعل المرء متوحداً، ويعزل الصغار تماماً عن الكبار فلا يدري أهلهم ماذا يسمعون وبمن يتأثرون، ويخسر الصغار خبرات الكبار، ولا يتعرفون على أهليهم، ولا يتعلمون منهم خبرات الحياة، بل لا يتمتعون بوجودهم في حياتهم.
2. كيف بإمكاننا ترشيد استهلاك الإنترنت واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي؟
على الأمهات ألا يعلّمن أولادهن على هذا الوافد إلا بعد حين، وكلما استطاعت الأم صرف ولدها عن هذا العالم فلتفعل، وكلما قدرت على تأخير شراء الأجهزة فلتصمد، ومن الضروري -خلال ذلك -أن توضح لأولادها ضرر هذه الأجهزة على الصحة، وضررها على العقل. فإذا بلغ الطفل سبع سنين ودخل المدرسة واضطرت إلى السماح له بالجلوس عليه، فليكن مع التوجيه والمراقبة، ومن الضروري جداً ترشيد الاستهلاك وذلك بتحديد ساعات معينة، تتغير حسب عمر الطفل وحسب حاجاته، وليت التقنين يكون قانوناً عاماً في البيت، يخضع له الأب والأم والأولاد، ويخصصون وقتاً للّقاء والمرح معاً، مما يعوض الصغار ويغنيهم عن النت.
3. كيف ستكون الحياة بدون إنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بنظرك؟
لو قارنا الحسنات بالسيئات لوجدنا أن الحياة بلا إنترنت رائعة وثرية، ولقد عشنا طفولة أجمل وأنقى وأطهر من طفولة أولادنا، وقَلّت معاناتنا النفسية والاكتئاب.
ومرت الأيام ثم رأينا هذا الجيل يجلس نهاره كله أمام هذه الأجهرة، فيتعود على الخمول والكسل. فالحياة بلا إنترنت تعني الحرية في قضاء الوقت. إن حسنات اختفاء النت أكثر من سلبياته، ويكفي أنه يعيد بهجة الحياة ويحفظ الضرورات الخمس، وهي الدين والحياة والعقل والمال والخلق.
* * *
ونختم التحقيق بما تفضلت به الأستاذة عابدة: «الذكي من يطوع التكنولوجيا لرغباته ولا يكون عبداً لها، ولا شك أن الإنترنت وفّر لنا تواصلاً سريعاً مع الأباعد، وجعل العالم الكبير بين أيدينا، والعلماء في بيوتنا... وهنيئاً لمن استثمره في تطوير نفسه وقدراته وطوبى لمن قنن في استعماله، وعرف كيف يأخذ خيره ويتجنب شره، ولم ينس خلالها واجباته الضرورية».
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن