داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
أشرَق الأمل... وعاد الحقُّ إلى أهله

لا يغيبُ عن المتابع المُنصف أنّ أُمَّتَنا تفتح صفحة مضيئة من تاريخها، وأنّها تُؤسِّس لعهد جديد من الإشراقات والأمجاد... وأملنا في الله أنْ يوفِّقَنا لتتمَّ هذه البركات.
وقد سطعت آخرُ دفعة من تلك الإشراقات، وبدأ التغيّر الإيجابي في منحنى القياس - فيما أحسِب - مِن موجات الربيع العربي نهاية ٢٠١٠م، وما حَمَلتْ معها مِن تضحياتٍ، وشجاعةٍ منقطعة النظير، وتَوْقٍ إلى التحرر من الظلم، وإلى استعادة كرامة الإنسان تحت عدالة الشريعة، ليعود الحق إلى أهله. فواجهها الطواغيت ومَن وراءَهم بمنتهى الوحشية إمعاناً في إذلال الشعوب واستعبادها، ورفضاً لخروجها من القيد والهوان.
ثم أطلَّ الانقلابيون برؤوسهم في تركيا سنة ٢٠١٦م، وأخفق الانقلاب! وكان ذلك الإخفاق حدثاً خارج السياق المعتاد في عصرنا!
وعَقِبَته مطاردة فلول الخونة هناك ومحاكمتهم، في محطة عزٍّ مشرقة، سطرها الشعب الأعزل حين واجه الدبابات... وعاد الحق إلى أهله!
تلا ذلك تحريرُ أفغانستان بعد مصابرة وجهاد دام ٢٠ سنة، وعاد الحقُّ إلى أهله! وانسحب الاحتلال الأمريكي ذليلاً بعد أطول حرب يخوضها متحالفًا مع ٥١ دولة! وقد أذلَّتهم طالبان حتى في تحديد تاريخ اشتراط الانسحاب قبل ١١ أيلول ٢٠٢١م!
ثم جاء طوفان الأقصى السبت ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م الذي شفى صدور قوم مؤمنين وشكَّل صفعة أمنية وعسكرية تاريخية للكيان الصهيوني الغاصب، ولأعوانه وأسياده الذين أمدوه بالمال والرجال والسلاح على مدار خمسة عشر شهراً، أثبت أهلنا في غزة إيمانهم العميق بالقضاء والقدر، وبأن الشهادة شرف والموت في سبيل اللّه أسمى الأماني، وأن سيناريوهات المعركة واضحة لديهم ومحسومة: إنه لَجهاد نصر أو استشهاد؛ بناء على قول الله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} (التوبة: ٥١، ٥٢). فصَبَر فيها أهل الحق على البلاء، وأذاقوا الأعداء الخسائر البشرية - من جنود جيشهم ومن المرتزقة - والخسائر المادية الجسيمة، وألواناً من سوء العذاب... {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ...} (آل عمران: ١٤٠).
لنشهد يوم الأحد ١٩ كانون الثاني ٢٠٢٥م هدنة وبدء صفقة لتحرير النساء والأطفال وصولاً إلى مرحلة تحرير القادة والرجال، بعد أن سطروا بِعَصا السنوار وبطولات المجاهدين والمدنيين سرديةَ حقِّنا في الأقصى وفي كاملِ فلسطين، وعاد الحق إلى أهله، وعاد الأهالي إلى مناطقهم لإعادة الإعمار وتجديد عزيمة الرباط والجهاد والتحرير.
وقد جاء «ردع العدوان» الذي أثمر تحرير سوريا من شبّيحة بشّار الأسد (ومن عشرات الميليشيات الطائفيّة الشيعيّة الصَّفَويّة التابعة لمحور تجّار الممانعة الإيرانيّة) يوم الأحد ٨ كانون الأول ٢٠٢٤م لينقشع الكابوس الجاثم على أهل سوريا، بل وعلى لبنان وغيره. وعاد الحقُّ إلى أهله، وتمكن الكثير من اللاجئين من الرجوع الطوعي إلى أرضهم.
وهذا كلّه ينعكس على نفوس المسلمين ومعنويَّاتهم، وعلى الموازنات السياسيّة، خاصّة في لبنان ومحيط البلاد التي وقعت فيها تلك الأحداث العظام.
ونستلهم منها الدّروس والعبر؛ مثل:
• الإعداد والتربية الشاملة: فيظهر على كوادرهم أثر التربية؛ إيمانيًّا ومهاريًّا وإداريًّا وجسديًّا.
• القيادات الشابة: بما يعنيه الشباب من قوة ونشاط، بالإضافة إلى ما يتصف به هؤلاء الشباب من نضج وخبرة ومسؤولية.
• المعونة جاءت بعد تجهيز المؤونة: فقد وَضَح للجميع أن صمود أهل غزة وتحرير سوريا أمر خارج عن المعتاد بالموازين البشرية، فقد حصل بكرامة من الله، لكن بعد أن بذل المجاهدون سنوات من الإعداد والبناء والتخطيط والصبر.
• أهمية الانضمام إلى الجماعاتِ المسلمة ووجوب تعاونها: فالعمل الفردي لا يواجِه العملَ الجماعي، لكن العصبية تشق الصفوف، وتنفّر القلوب، وتَحُول دون التعاون، وتُذهب البركة والقوة.
• تعميق الأخوّة الإسلاميّة: والتركيز على الأصول المتّفق عليها، لا على الخلافات الفرعيّة الظنِّيّة.
• وجوب بذل أقصى الجهود: فكلّ مسلم أو جماعة أو مجتمع يجب أنْ يؤدِّيَ مهمّاته بجِدٍّ للنهوض من غير انتظار لغيره.
• الصبر والمصابرة: ركن أساس للجهاد والمرابطة، والثبات يحتاج دائمًا التقويمَ والمعاودة.
• الأهم من الإنجاز: هو المحافظةُ على الإنجاز
وتنميتُه كما قال الشاعر:
لِكُلٍّ إِلىَ شَأْوِ الْعُلا حَرَكَاتُ... وَلكِنْ عَزِيْزٌ في الرِّجَالِ ثباتُ
وقال ربنا سبحانه: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[الأعراف: 129].
هذا وعد الله قد تحقّق، فإنّها إشراقة أمل تستوجب العمل، ويبقى التحدّي أنْ نوفَّقَ لشكر هذه النعمة، وللسَّداد والاستقامة؛ قال الله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55).
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أشرَق الأمل... وعاد الحقُّ إلى أهله
جواب العلم والدين.. لما تعارض عن يقين! الجزء الثالث
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الخامس
جواب العلم والدين.. لما تعارض عن يقين! الجزء الثاني
تغيّرات نوعية تستوجب مسارات استثنائية