محاورة عاشورائية:الغدير والخلافة..والحوار
الكاتب: الشيخ يوسف القادري
• وليد: خيراً إن شاء الله؟! ما الأمر؟ ولماذا تَلْبَس السواد؟
- فادي: هل نسيتَ أن اليوم هو الأول من شهر محرم؟ بل أنت لماذا ترتدي البياض؟
• وليد: كيف أنسى وقد حضرت البارحة احتفال ذكرى الهجرة النبوية؟ وأما البياض فهو لون كان يحبه رسول الله .
- فادي: أما أنا فكنت في مجلس العزاء الحسيني لليوم الأول، وقد عَرض لنا السيد تفاصيل حَادثة الغدير، وأنشدَنا بعض أبيات بطرس سلامة في "ملحمة عيد الغدير".
• وليد: نعم إنه اليوم الذي أكد فيه النبي الفكرة التي طالما كررها؛ ألا وهي عظَمَة الإمام عليّ ومكانته عند الله وعند رسول الله وفي قلب كل مؤمن.
- فادي: هل هذا هو عيد الغدير عندكم؟
• وليد: إنني لا أعرف أنه عيد يضاف إلى عيدي الفطر والأضحى، ولكن ماذا يعني لكم أنتم هذا اليوم غير ذلك التكريم العظيم؟!
- فادي: ألم تسمع بالوصية التي أعلنها النبي لصهره بالإمامة مِن بعده؟ تذكَّر تفاصيل القصة. ألم يقل رسول الله: "من كنت مولاه فعَلِيٌّ مولاه. اللهم والِ مَن والاه وعادِ من عاداه". إنه صاحب الحق بالإمامة بعده...
• وليد: -يقاطعه- هل سمعت نتائج الانتخابات العراقية أمسِ؟ لقد غطت تحليلاتها الصفحات الأولى في الجرايد اليوم، وكادت تصريحات بوش وبلير حول العراق تُنسينا العراكَ على قانون الانتخابات النيابية في لبنان ودوائر بيروت.
- فادي: هكذا دائماً نتهرب من مواجهة الحقيقة!
• وليد: دَعْنا الآن يا فادي من موضوع مَرَّ عليه 1400 عام، فإنا إذا لم نتحدث عنه لا نُحاسب، ولكن إن تحدثنا فقد نَزِلّ ونُصيب قوماً بجهالة فنحاسب ونعاقب. فلنتكلم على واقعنا لِنَحُلَّ مشكلات اليوم.
- فادي: إن مشكلات اليوم لا تُحل إلا انطلاقاً من تصحيح أخطاء الماضي. ولكن ربما تكون الحقائق مُحرِجة، أَليس كذلك؟!
• وليد: لعلك تقصد أن الوصية بالإمامة لعلي أَمْرٌ رباني، وبالتالي فما جَرى يوم وفاة النبي من مبايعة أبي بكر بالخلافة كان استغلالاً لانشغال الإمام علي بتجهيز النبي لدفنه؟
- فادي: -يحرك رأسه علامةً على الإقرار-.
• وليد: وبناء على ما سَبق فكل الذين بايعوا أبا بكر في السقيفة أو حتى بعدها -وهم كل الصحابة إلا 6 بحسب مراجعكم- قد خانوا الله ورسوله وغدروا بعَليّ، وهُم بالتالي فسقة خائنون بل ربما ارتدوا عن الإسلام أو أظهروا نفاقهم المَخْفيّ! أليس كذلك؟
- فادي: -وقد انفرجت تقاسيم وجهه وعلاه السرور يقول:- عافاك! أنتم تعرفون كل القصة إذنْ!
• وليد: ولكنني لم أكملها كلَّها، بقي المشهد الأخير إذا مَشَينا على نفس المنطقِ وطريقةِ التفكير؛ وهو أن عليّاً أيضاً -إذا قلنا إنه هو الوصي وسكت على اغتصاب الإمامة والحكم منه- يكون قد خان الله ورسوله وفسق وربما ارتد!
- فادي: -وقد تمعّر وجهه- لا أبداً. إنه سكت عن الموضوع لكي لا يُحدث فتنة ولا يشق صف الأمة.
• وليد: إذا سكت هو عن الموضوع في وقته لكي لا يحدث فتنة -كما تقول- فلماذا لا تسكت أنت عن الموضوع بعد مرور 1400 سنة لكيلا تحدث فتنة؟! ثم متى كان تنفيذ وصية رسول الله فتنة؟ ولماذا قاتل عليٌّ معاويةَ رضي الله عنهما بعد نحو 30 سنة هل صارت الفتن مقبولة يومها؟
- فادي: إن الإمام وجد من يعاونه على الحق يومَ اختلافه مع معاوية، وهل تريده أن يواجه أمة وحده لينتحر؟ قد "هوجِم دار (علي) وهُدِّد إذا لم يُبايِع أن يُحرَق بالنار" إنه كان موضوع خطبة الجمعة (17 ذو الحجة 1425) التي حضرتها لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله..
• وليد: -يقاطعه- ماذا؟!!! لا أكاد أصدق ما أسمع! عذراً يا صاحبي، فلعلك تتكلم عن عَلِيٍّ غير الإمام علي بن أبي طالب الذي أعرفه تربَّى بين يدي رسول الله على كل خِصال الإيمان والشجاعة؛ على ألا يخشى في الله لومةَ لائم، إنه صاحبُ سيف "ذو الفقار"، أبو الحسنين سيدَيْ شباب أهل الجنة، زوجُ الزهراء، فاتحُ خيبر وحاملُ الراية فيها وقاتلُ بطل اليهود مِرْحب، ومبارزُ بطل قريش عمرو بن عبدِ ودّ وقاتلُه...
وهل ابنه الحسين أحدث فتنة أو انتحر بسبب قلة عدد جيش؟ أم أنه أشجع من أبيه رغم وجود وصية لِعلي -كما تدّعي-؟ الآن أكاد أفهم معنى قول مدير تلفزيون المنار السابق الأستاذ نايف كريم في مقالته "قاطعوا صناع الأساطير": (شوّهنا هذه الصفحة التاريخية المشرقة وارتكبنا خيانة كبرى بحق الإمام الحسين، بحيث إنه لو ظهر إلى عالم الوجود المادي اليوم، لاتهمنا بقلب حقيقة الواقعة رأسا على عقب، ولقال: إنني لست ذلك الحسين الذي رسمتموه في خيالكم). ولعلك تقول: إنها من الإمام علي تقية؟!
- فادي: ولِمَ لا؟ إلا أن تتقوا منهم تُقَاة.
• وليد: يا لَلعجب! تَقِية من مثل الإمام علي؟ ثم ينضم إلى صَفِّهم ويُقاتل تحت رايتهم ويتولى القضاء في دولتهم ويُسمي أولاده بأسمائهم فمنهم: أبو بكر وعثمان (اللذان استشهدا مع أخيهما الحسين في كربلاء) وعمر؟ وكذا الحسنُ والحسينُ رضي الله عنهما يُسميان بهذه الأسماء في حياة أبيهما! ثم هل تَصِل "التقية" والخوف إلى حَدِّ أن يزوِّج عليٌّ ابنتَه أُمَّ كلثوم من عمر قبيل وفاة عمر (رضي الله عنهم جميعاً) إذا كان عمرُ خائناً مغتصباً لحق عليّ في الخلافة بل وكافراً؟! هذا نفاق وجُبن لا يرضاه الأرذال فكيف تجرؤ بنسبته إلى سيد المؤمنين علي؟
- فادي: فبماذا تفسِّر "مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه..."؟ أم هو من الإسرائيليات!
• وليد: أولاً إن كل ما سبق يَدل على أنه يستحيل أن يكون معناه الوصية بالإمامة من بعده، ومن قال إلى كلمة "مَوْلى" ليس لها معنى إلا الإمام الحاكم؟ نعم الحديث فيه بيان عظمة سيدنا عليّ وهذا لا يُنكر، ولكن هل مجرد العظمة هي علامة على استحقاقه الحكم "بالتزكية" ودون منافسة؟ هناك نصٌّ ثابت عندنا قد يكون أقرب إلى غايتك وهو قول النبي لعليّ : "أما تَرضى أن تكون مني بمنـزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي".
- فادي: مِن فَمِك أُدينُك،هل هنالك أوضحُ من هذا الكلام؟ أليست هذه وصية؟ وماذا ستفعل بهذا الحديث؟!
• وليد: سأحاول أن أَفهمه بتجرد دون أحكام مسبقة أو عصبية أو تحريف. متى قال رسول الله ذلك؟ ولماذا؟
- فادي: متى؟ وما هو تأثير ذلك على هذه الألفاظ الصريحة؟ سواء أكان قُبيل وفاته أو حتى في مكة!
• وليد: لِنُحاول أن نَفتح عقولَنا؛ إن سبب هذا الحديث هو أن رسول الله عندما أراد الخروج إلى غزوة تبوك، ولَّى عليّاً على المدينة المنورة، فقال المنافقون إيذاءً له: إن النبي استبقاه ليتخلص من صحبته!! فلبس سلاحَه ولحق بالجيش على بُعد 3 أميال وأخبر النبي بقولهم الحاقد. فقال: كَذَبُوا. ولكني خَلَّفتك لِمَا تركتُ ورائي. فارجع فاخلُفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا عليّ أن تكون مني بمنْزلة هارون من موسى؟" أي أنا أستخلفك كما استخلف موسى أخاه هارون على قومه عندما ذهب إلى ميعاد ربه 40 ليلة. وربما ستفاجأ إذا عرفت بأن هارون مات قبل موسى ولم يكن خليفته من بعده. إذن لا علاقة لهذا الكلام بالخلافة.
- فادي: وماذا تفعل بالكم الضخم من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الإمام علي عليه السلام إذن؟ هناك نصوص أخرى.
• وليد: مثلما أفعل بالكم الضخم من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل باقي الصحابة.
لماذا يضيق صدرُك عن أن تكون التربية النبوية أنتجت عظماء كثيرين تميز بعضهم في جانب وبعضهم في جوانب كثيرة؟ "لو كان بعدي نبي لكان عمر" "ما طلعت الشمس بعد النبيين على خير من أبي بكر" "يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر"... وماذا تفعل بالقرآن {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة : 40]، ولماذا كلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصلاة إماماً في مَرَضِ موته هل نسي أن له ابن عم اسمه عليّ؟ لماذا تدخل التاريخ عشوائياً بشكل يولّد البغض ويشق الصف ويغيّبنا عن واقعنا كان الأحرى أن تتخصص فتدرس بموضوعية وتتكلم بحكمة، أو تسكت عن تخوين أناس لم تعايشهم {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة : 134]، إنك لو متَّ ولم تسب إبليس لم تعاقب، فكيف بمن قال الله في 1400 منهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [الفتح : 18]، فاتق الله فيمن رضي الله عنهم وعلم ما في قلوبهم. ولا تدَعْنا نتفرق من أجل كرسي الحكم القديم ليتسلّم الأمريكان كرسيّ الحكم المعاصر. وماذا نقول لله تعالى في يومِ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات : 24]؟
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن