داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
الصحابة أمام صخرة الروشة - الصحابة في لبنان (4)
كتب بواسطة يوسف القادري
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1160 مشاهدة
بعدالتفاصيل التي عرضناها عن فتوحات الصحابة للبقاع، قد يتصور البعض أنهم رضي الله عنهم اعتمدوا في سَيرهم التقسيمات الحالية للمنطقة؛ فانتقلوا مباشرة إلى بيروت وأتموا تحرير الأراضي التي هي ضمن الحدود المعروفة حالياً للبنان، ولا شك أنّ هذا غير صحيح.
فلبنان لم يكن في يوم من الأيام بحدوده الحالية، ولا كياناً مستقلاً بصفة إدارية سياسية، وإنما هو كما يقول ياقوت الحَمَوي في «معجم البلدان»: «اسم جبل مُطِلّ على حِمْص». إنما هو سلسلة الجبال الغربية، دون الشرقية المسماة بـ «سَنِيْر»، ودون سهل البقاع العزيز الذي بينهما.
وأما التقسيمات الحالية لدول المنطقة فقد جاءت على يد الأعداء «بريطانيا وفرنسا» بعد الحرب العالمية الأولى لأسباب لا تخفى، أهمها: تجزئة العالم الإسلامي لإضعافه، وابتداع كيان مضطرب يُتيح لهم التحكم به والتدخل في المنطقة تحت ذريعة حماية الموارنة الذين أَعطَوهم الحُكم والامتيازات. وإنما قَدِم الكثير منهم إلى جبل لبنان مع البطريرك يوحنا مارون «بطل القومية المارونية» كما يلقبه فيليب حِتّي، قَدِموا سنة 694هـ بعد فتوحات المسلمين بـ60 سنة هرباً من مجازر إخوانهم النصارى اليَعاقبة واضطهاد بيزنطية وكنيستها، بناء على الاختلاف في عدد «طبائع ومشيئات» المسيح المؤلَّه عندهم!! (انظر كتاب: قراءة إسلامية في تاريخ لبنان والمنطقة من الفتح الإسلامي ونشأة المارونية حتى سنة 1840م، د. محمد ضناوي، ص66، نقلاً عن المطران يوسف الدبس وغيره).
فالذي كان يتحكم في ترتيب سَير فتوحات الشام هي الاعتبارات العسكرية؛ مِن صَدٍّ استباقيٍّ لهجوم، أو اغتنام فرصة ضعف العدو وانهيار معنوياته، أو غفلته. لذا لم تُفتح بيروت بعد البقاع مباشرة.
استخلف أبو عبيدة يزيدَ بن أبي سفيان أميراً على دمشق الشام لِيُقيم عدالة القانون الإسلامي ويستكمل فتح المساحات الباقية منها. وفي «فتوح البلدان» للبلاذري: «أنّ يزيدَ أتى بعد فتح مدينة دمشق صيدا وعرْقة وجبيل وبيروت، وهي سواحل، وعلى مقدمته أخوه معاوية رضي الله عنهما، ففتحها فتحًا يسيرًا، وجَلاَ كثيرًا من أهلها، وتولى فتح عرقة معاويةُ نفسه في ولاية يزيد.
ثم إنّ الروم غلبوا على بعض هذه السواحل في آخر خلافة عمر بن الخطاب أو أول خلافة عثمان بن عفان فقَصد لهم معاويةُ رضي الله عنهم حتى فتحها ثم رَمَّها وشَحَنها بالمقاتلة وأعطاهم القطائع».
ويقول المؤرخ فيليب حِتي: «والواقع أنه كان لِصُور ولِعَكّا من الشأن في أوائل العهد العربي ما لم يكن لبيروت مثله» (لبنان في التاريخ، ص 296). وقال أيضاً: «ولكن العرب لم يتعرّضوا لمدن الساحل لا في فلسطين ولا في لبنان؛ لأن هذه المدن كانت تلقى المدد من الروم بحراً، فإن السيادة البحرية آنذاك كانت في يدهم. لذلك ظلت هذه المدن بعض الوقت خارج منطقة الفتوحات العربية.
ولكن لم يمضِ زمن طويل حتى سقطت جميعها الواحدة تلو الأخرى - وبدون أيّة مقاومة - في يد معاوية ويزيد؛ فإن بيروت سقطت عام 635» (لبنان في التاريخ، ص293).
وقد أشار فيليب حِتّي في السياق إلى أسباب سهولة فتح بيروت والمنطقة؛ نختار منها:
· فداحة الضرائب التي كانت الدولتان الفارسية والبيزنطية تفرضها.
· الصراع الذي دام قروناً بين فارس وبيزنطية.
· الانقسام العقائدي بين مختلف الكنائس المسيحية.
· كون الغزاة أشدّاء ذوي بأس ونَخْوة، يهزؤون بالموت بل يَعُدُّونه ثواباً.
· كون الإسلام شعارَهم في الحرب، والقوةَ التي توحِّد قلوبهم.
· الزلازل والتسونامي: «بين 551 و555 وقعت سلسلة من الزلازل العنيفة التي خرّبت المدن اللبنانية الساحلية تخريباً يكاد يكون كاملاً ولا سيما مدينة بيروت، فقد قيل: إنّ البحر ارتدّ إلى الوراء مسافة تَقرب من ميل واحد، ثم عاد بشكل موجة عالية غَمرت المدينة كلها، فأغرقت البنايات وهدمتها. وذُكِر أن ما يقرب من 30 ألف نسمة من سكان بيروت لاقوا حتفهم، وهرب الباقون» (لبنان في التاريخ، ص283،290،291).
وأما المؤرخ طه الولي فيقول في كتابه «مساجد بيروت» ص13، 14: (في سنة 16هـ 637 م دخلت القوات العسكرية الإسلامية مدينة بيروت وفتحتها فتحاً يسيراً.
لم تكن بيروت عندما دخلها المسلمون لأول مرة ذات شأن أو أهمية، سواء في عدد سكانها أو عمرانها. كانت بيوتها القليلة المتواضعة متناثرة بين بقايا الأنقاض التي تخلّفت عن الزلازل التي دمرتها وأحرقتها عن آخرها...
وصارت بيروت مركزاً للرباط وحماية حدود دولة الإسلام؛ فقدم إليها أبو الدرداء وسَلْمان الفارسي وغيرهما من الصحابة والتابعين كإمام الشام الأوزاعي رحمه الله تعالى. وقد تطورت بيروت تحت الحكم الإسلامي إدارياً وسياسياً واجتماعياً... كما هو مفصّل في كتب مؤرِّخ "بيروت المحروسة" د. حسان حلاق.
فكلما وقفتَِ أمام صخرة الروشة تَذَكَّر(ي) أن معاوية وجيش الصحابة والتابعين رضي الله عنهم مرّوا من هناك فاتحين، وأقاموا عليها الدين منذ 1415 سنة، تاركين الأمانة في أعناقنا.
وبعد بيروت توجّه الجيش الإسلامي مروراً بجُونية التي صارت في ظلِّ الإسلام مَوْطناً للعلماء والعبّاد! وصولاً إلى جُبيل، والقلمون، وعرْقة قرب وادي الجاموس وبِبنين في عكار، ففَتَح الساحل شمالاً (ما عدا طرابلس لقوة تحصيناتها).
لكن مَن القائد الفتى الذي فُتحتْ مِصفاة البدّاوي على يديه؟ الجواب في حلقتنا القادمة بإذن الله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن