الله أكبر.. قُتل الطاغيـة الأكبـر
اللهم لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على ما أنعمت علينا من مقتل طاغية العصر وفرعون الزمان، الذي طغى في البلاد وأكثر فيها الفساد، وأذل العباد طوال ثلاث وأربعين سنة عجافاً 1389-1432/ 1969-2011 .
اللهم لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على ما أنعمت علينا من زوال الطاغية وأولاده وأعوانه الذين جثموا على صدور العباد، وسرقوا ثروات البلاد، وأخّروها عن اللحاق بركب مثيلاتها مِمن منّ الله تعالى عليها بالنفط والمال الوفير .
هذا الطاغية لم يكتوِ بطغيانه أهل ليبيا فقط بل تعدى ظلمه وجبروته إلى كثير من البلاد العربية والإسلامية وغير الإسلامية، فكان ينفق أموال المسلمين التي ائتُمن عليها على حروب لا ناقة للمسلمين فيها ولا جمل مثل حرب تشاد، وينفقها على قتل معارضيه في الخارج، وينفقها على ملاذه ومصالح أهله ومن يلوذون به، وينفقها في شراء أسلحة كثيرة لا حاجة للبلاد بها، وينفقها على إنشاء مؤسسات مخابراتية لتذيق الشعب الليبي الويلات، وينفقها على الكيد لكثير من الدول العربية والإسلامية وهذا السودان قد اكتوى في دارفور بنار أموال القذافي الذي كان يحرض عليه الانفصاليين ويمدهم بالمال والسلاح، وقد تكرر هذا الأمر في عدد من الدول على مدار تاريخ حكمه الفاشل .
ومن المعلوم أن الرجل كان قد تولّى الحكم برضى من الغرب الذي رأى فيه خير منفّذ لمخططاته في ليبيا وما حولها التي كان يقف حَجَر عثرة أمام كثير منها الملك الراحل إدريس السنوسي، لكن القذافي كان مختلطاً في فكره ومنهجه، متحمساً غاية التحمس لما يراه، مستبداً متفرداً "ديكتاتوراً"، إلى درجة جعلته يوغل في التخبّط والتقلّب والضياع، وساعده على ذلك وفرة المال بين يديه، فخرج بمشروعات فكرية غريبة عجيبة ليس لها علاقة بالمنهج الإسلامي من قريب أو بعيد، بل كانت مضادة له في كثير من الأحيان، وهذا ما جعل كثيراً من علماء الإسلام يُصدرون فتاوى بتكفيره وخروجه من الملة، خاصة عندما نادى بحذف كلمة "قل" من سور الإخلاص والمعوذات، وعندما أنكر السنة النبوية الشريفة جملة وتفصيلاً، وعندما نادى بالكتاب الأخضر بديلاً عن الشيوعية والرأسمالية، وتناسى أن الإسلام جاء بالشريعة العظمى التي تكفلت بالسعادة للبشر في دنياهم وأخراهم .
وقد أخبرني شيخي وأستاذي الفاضل الليبي سعادة الدكتور سليمان الصادق البيرة بجملة من مخازيه وسوآته في هذا الباب منها أنه زار الجامعة الإسلامية التي أنشأها الملك السنوسي في البيضاء، وكان ذلك سنة 1393/1973، وكان الشيخ طالباً فيها آنذاك، وجُمع للقذافي الأساتذة والطلاب، فحرص الشيخ على الجلوس في الصف الأول ليسمع ما يقوله القذافي، فكان مما قاله آنذاك - عامله الله بما يستحق- محمّدكم هذا كان ساعي بريد، جاء بالقرآن ثم ذهب، وصار يشير بيده إشارة احتقار، والعياذ بالله، نسأل الله العافية .
وكان قد عَين شخصاً معروفاً بالسذاجة أميناً لمكتبته الخاصة، وذلك حتى لا يَطّلع على مخازيه أو إن اطلع عليها لا ينقلها للآخرين، فالتقاه شيخنا الشيخ سليمان في لندن فقال له أمين المكتبة: أنا أعلم أنكم تقولون فيَّ إني درويش وأبله لكن اسمع مني ما أقوله لك: كان القذافي كثير القراءة، وكان يخرج إلى المكتبة الساعة الثانية بعد منتصف الليل محمر العين، ويخرج أنواعاً من الكتب وألواناً، ثم إذا جئت في الصباح لأرتب الكتب أجد المصحف على الأرض مفتوحاً وآثار الحذاء عليه بادية ظاهرة، والعياذ بالله -تعالى- وهذا بسبب أن القذافي كان يطأ فوق المصحف للوصول إلى ما يريده من المكتبة .
وإن نسي التاريخ شيئاً من مخازيه فلن ينسى ما صنعه من إسقاطه للطائرة الأمريكية فوق لوكيربي باسكتلندا، ثم استحذى الغرب من أجل العفو عنه ودفع من أجل ذلك قرابة ثلاثة مليارات من الدولارات !!
ثم إنه أعلن التخلص من أسلحة عظيمة بدعوى أنها أسلحة دمار شامل، قد أنفق عليها المليارات الضخمة ثم أتلفها إرضاءً لسادته الغربيين، وهكذا تضييع أموال المسلمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وهذا الطاغية رمى بالدعاة في السجون، وعذّبهم طويلاً، وقتل منهم مقتلة عظيمة، فقد قتل في يوم واحد في سجن بو سليم زيادة عن ألف سجين!! وشرد الليبيين في الأرض وأخرجهم من بلادهم بل الأصح أنهم هاجروا من بلادهم مجبرين مقهورين فهاموا على وجوههم في الأرض، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
ولقد زرت ليبيا سنة 1415/ 1995 فوجدت البلاد محاصرة مضيق عليها دولياً، وفي حالة زَريّة داخلياً، وأوضاعها الاقتصادية صعبة، والإسلاميون مضيق عليهم إلى الغاية، وبالجملة فإن ما صنعه القذافي بليبيا والليبيين لم يوجد مثيله قط في التاريخ الحديث والآن بعد سقوط القذافي ومقتله وهوانه على الله وعلى الناس لابد من بيان الحقائق التالية :
أولاً: إن شعب ليبيا شعب مسلم لن يُحكم إلا بالإسلام وهذا أمر ينبغي التأكيد عليه الآن حتى لا تدخل البلاد في دوامة الفوضى والاختلاف، فشرع الله لابد من تحكيمه في ليبيا التي تخلو من الطوائف والمذاهب، وكل أهلها -تقريباً- مسلمون سُنّة ولله الحمد والمنّة، وأهلها من أقرب المسلمين إلى الخير والهدى والرغبة في تحكيم الشريعة، فإذا كان الأمر كذلك فلن تستقر البلاد إلا بإقامة الشريعة فيها .
ثانياً: ينبغي أن يسود في البلاد الآن الحب في الله والتآخي والعفو عمّن لم تتلطخ يداه بالدماء، أو في ذمته حقوق مالية للناس، فهذا يهيئ البلاد للاستقرار والهدوء، ولهم في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين عفى عن أهل مكة الذين حاربوه طويلاً وآذوه كثيراً بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم" أي فيما دون الحدود والقصاص.
ثالثاً: ينبغي إعانة الشعب الليبي ونصرته في كل ما يحتاج فيه إلى إعانة ونصرة، فهم قد خرجوا من سجن كبير طويل، ولاشك أنهم بحاجة ماسة إلى العقلاء والحكماء من إخوانهم يشدون من أزرهم ويعضدونهم ويساندونهم.
رابعاً: أفلا يجدر بسائر حكّام المسلمين ممن لا يقيمون شرع الله -تعالى- في بلادهم ولا يحكمون بالعدل، وينهبون ثروات البلاد ويذلون العباد، ولم تثر شعوبهم بعد، أفلا يجدر بهم أن يعودوا إلى الله تعالى سريعاً ويتعظون بما جرى على البلاد العربية التي حدثت فيها ثورات، وأن يسارعوا إلى قطع دابر الثورات في بلادهم بالحكم بشرع الله تعالى الذي يضمن العدل والرحمة وإرساء السلام ؟! فإن لم يصنعوا ذلك فإن انتقام الله تعالى منهم قريب على يد شعوبهم.
وأخيراً لابد من كلمة توجه إلى بشار وعلي صالح وسائر الطغاة: أفليس لكم عبرة فيما جرى على ابن علي ومبارك والقذافي؟! أفلا ترجعون عن غيّكم وضلالكم، وتتوقفون عن قتل شعبكم، وتسلمون الحكم إليه وتنجون بأنفسكم؟ هلا اتعظتم واعتبرتم بما جرى على أمثالكم؟!
فإن لم تصنعوا فاعلموا أنكم ستلاقون غداً المصير نفسه، والعرب قالت قديماً: السعيد من اتعظ بغيره لا من وُعظ به غيره.
وأختم بقول الله تعالى:
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(.
والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين والحمد لله رب العالمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة