لا مجاملةَ بعد اليوم (1): يا أيها الصامتون: إنكم مجرمون
يا أيها الناس: لقد صَمَتُّ حتى ضجّ الصمت من صمتي، وصبرتُ حتى ملّ الصبر من صبري، وسكتّ حتى بتّ أحس أني شيطان أخرس، وجاملت حتى ضاق صدري بالمجاملة. إلى كم أجامل والناس في كل يوم يموتون ويعذّبون؟ إلى كم أجامل والمجرمون يَخطفون الحرائرَ ويسومونهنّ الهوان؟ إلى كم أجامل والبيوت تهدّم على ساكنيها من الوالدين والولِدان؟ إلى كم أجامل والبلاد تحترق بنيران عصابات البغي والغيّ والإجرام؟ أُشهدكم أني لن أجامل بعد اليوم، ليس بعد الذي كان!
فَلْيُعادِني من شاء أن يعاديني، وليسبّني من شاء أن يسبّني، وليتّهِمْني من شاء بما شاء، وليكن ما يكون، فإني قررت أنه لا مجاملة منذ الساعة! أمَا إن ما يجري في سوريا -على مرأىً منا ومسمع- لَيُنطق الصخر، فإن لم يَنطق قلمي فلأكسر قلمي، فلا حاجة لي به بعد اليوم!
لقد قصف العدو بلادنا، وقتل العدو أولادنا، وانتهك العدو أعراضنا، وعذب العدو رجالنا، فمَن ناصر عدوَّنا فهو عدوُّنا، ومن هادن عدونا فهو عدونا، ومن سكت عن عدونا فهو عدونا.
يا أيها الساكتون، يا من “ألفتمُ الهونَ حتى صار عندكمُ طبعاً”: أما آن لكم أن تنفضوا عن نفوسكم الهوان؟ يا من نشأتم في العبودية واكتهلتم في العبودية، فيها وُلدتم وفيها وَلَدتم وفيها حييتم وتكادون فيها تموتون، أما في نفوسكم كرامة؟ ألا يجري في عروقكم دم العرب الأحرار؟ أفٍّ لكم، لا والله لا تعرفون معنى الكرامة ولا تجري في عروقكم دماء الأحرار.
يا أيها الصامتون: أتنطوي أضلُعكم على قلوب أم أنكم بلا قلوب؟ لو كانت لكم قلوب فكيف لم تهزَّها أنّاتُ الأمهات الثاكلات؟ وكيف لم تهزّها آهاتُ المعذَّبين في المعتقَلات؟ كيف لم تهزّها قصص الحرائر المغتصَبات؟ كيف لم تهزّها الصواريخ تهزّ الأرض وتُسقط على رؤوس الأبرياء البنايات؟ لا والله لا قلوب لكم يا أيها الصامتون!
يا من قام الأحرارُ من حوله وهو ما قام، يا من ينام في سوريا وأخوه وجاره لا ينام: ماذا تنتظر؟ متى ستقوم؟ أحيٌّ أنت فنرجوك أم مَيْتٌ من الأموات فنَسْلوك؟ يا أيها النائمون في سوريا، يا أيها الخائفون الخالفون في البيوت مع الخوالف: أصَمَمْتم فلا تسمعون الصريخ في حمص وفي سائر الثغور في ديار الشام؟ أم تسمعون صريخ الجريح وهتاف المستغيث ثم تنامون في بيوتكم آمنين؟
من استباح القعود بعد اليوم فلا يقولَنّ أنا سوري ولا يقولَنّ أنا عربي، فلا طبائع السوريين ولا سلائق العرب ترضى بالذل والهوان. ولا يقولَنّ أنا مسلم ولا يقولَنّ أنا إنسان، فلا شرعة الإسلام ولا قِيَم الإنسانية تُجيز سكوتاً على عدوان.
يا أيها الساكتون والأحرارُ مِن حولهم يتساقطون قوافلَ وجماعات، يا أيها الصامتون: اعلموا أنكم مجرمون!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة