اليوم الذي غيّر تاريخ سوريا
في مثل هذا اليوم تغير تاريخ سوريا إلى الأبد. أتذكرون؟ قد لا تذكرون، لأن الحادثة الصغيرة مَرّت بهدوء بعيداً عن الأضواء؛ لم يصوّرها أحد ولم تنشر أخبارَها الفضائيات، مع أنها كانت أهم من كل الحوادث التي تصدّرت نشرات الأخبار في ذلك اليوم، ولو أن أهل الفضائيات اطّلعوا على الغيب لحذفوا من نشراتهم كل خبر ولفرّغوها لهذا الخبر العجيب!
ماذا حدث؟ بضعة عشر صبياً في درعا خَطّوا عبارات على الجدران. وماذا في هذا؟ أليس آلاف الصبيان يَخطّون على الجدران ما يشاؤون كلّ يوم في كل مكان؟ لا أيها السادة، ذلك أمر وهذا أمر، وشتّان بين صبيان وصبيان!
لقد سقطت سوريا تحت الاحتلال منذ خمسة عقود، احتلتها عصابةٌ باغية اسمُها عصابة الأسد، فنشأ في الذل والاستعباد جيلٌ، ومضى. ووُلد للآباء أولادٌ فنَشؤوا في الذل والاستبعاد، وكادوا يمضون إلى حيث مضى الآباء. ثم وُلد للأولاد أحفاد، فتحوا أعينهم على الدنيا فوجدوا أنهم إن لم يكسروا حلقة الشرّ والعبودية أوشك أن ينطفئ في سوريا مصباحُ الحرية إلى الأبد، وأوشك أن يتحول شعب سوريا إلى سلالة من العبيد… فثَمّ قرروا أن يكسروا الحلقة، فخرجوا ذات يوم فكتبوا على الحيطان: الشعب يريد إسقاط النظام! في تلك اللحظة تغيّر التاريخ.
ليس مهماً حجم الفاعل، المهم هو حجم الفعل. لقد كانوا صبية صغاراً فعلاً، ولكنّ قلوبهم امتلأت قوّةً خَلَتْ منها قلوبُ الكبار، فصنعوا -على صِغَر أعمارهم- صنيعَ الرجال؛ لقد غيّروا تاريخ سوريا، هذا ما أقوله اليوم أنا وأمثالي من عامة الناس، أما في الغد الآتي وعندما يؤرخ لهذه الحقبة المؤرخون الكبار فسوف يكون لهم رأي آخر، سوف يقولون إن أولئك الأطفال، أطفال درعا الأبطال، قد غيروا تاريخ المنطقة كلها، لم يغيروا فقط تاريخ سوريا وبلاد الشام!
إن من أجمل وأصدق الهتافات التي يصدح بها ثوار سوريا على أرض سوريا جميعاً قولهم: “من حوران هلّت البشائر”، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد أو ينكر فضلَ درعا على الثورة، ومن فعل فأنا وكل سوري حرّ له خصيم، وأنا وكل سوري حرّ له غريم. من حوران هلّت البشائر؛ هَلّت أول مرة يومَ كتب الأطفال ما كتبوا، فلمّا ارتكب النظام حماقة عمره واعتقلهم أقسم أهاليهم -من رجال حوران- أنهم لا يعودون أو يعودَ الأطفال، وكانوا أهل بِرّ ووفاء فوفوا بالعهد ولم يعودوا إلى البيوت، بل خرجوا إلى الشوارع ثائرين، وهلّت بشائر الحرية فانتشر عبقها عرضاً وطولاً يغطي بقاع سوريا أجمعين.
أنتم أول جنود ثورة الكرامة يا أيها الرجال الصغار! لقد أوقدتم فتيل الثورة وبعثتم المارد السوري العظيم من رقاده الطويل؛ يحق لآبائكم أن يفاخروا بكم أهلَ سوريا، ويحق لأهل سوريا أن يفاخروا بكم العالَمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة