مليونية اللون الأبيض
بينما الناس يتهافتون على مليونيات في الميادين المختلفة ... الليبراليون يتهافتون ويتجمعون تنحيه لقانون الله وشريعته، والعلمانيون يتهافتون إبعاداَ لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ومنهاجه، والنفعيون يتنادون بحثا عن مصالح ذاتية، والحزبيون يتلاقون بحثا عن نصره حزبهم وجماعتهم...
وبينما كل واحد من هؤلاء يلبس ألوان تميز رغبته ويكتب شعاراً يعلن فيه عن هدفه ... لكن هناك وفي البقعة المباركة يتنادى اللون الأبيض ويتهافت النقاء ويتلاقى الثلج والبرد ويجتمع الصادقون في لون واحد نرتجيه، لون واحد نتوحد فيه هو لون البياض...
قلوبهم بيضاء، و ثيابهم بيضاء، و أعمالهم بيضاء، يغسلهم الماء الأبيض، وتوحدهم الكلمة النورانية المشعة..... لبيك اللهم لبيك..... إلي مليونية متفردة لا يجمعها وطن و لا تنتمي إلي جنسية و لا تحتمي إلي وطنية أو قومية، إنما انتماؤهم إلى لا إله إلا الله، و اجتماعهم على... لبيك يا الله.
إنها المليونية الحقيقية حيث تعلو الأهداف فوق المنافع الشخصية إلي الإصلاح العام وخير العالمين، شعارهم "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله"
أهدافهم الطهارة و المغفرة، والخروج من دنس السنين قاصدين رضاه سبحانه، لا فرق بين الغني و الفقير، ولا تمايز بين القائد و المقود، ولا أعجمي ولا عربي، ولا فرق بين الأبيض و الأسود..
الوجوه كلها توجهت بالخشوع والإذلال والانقياد والتسليم حتى تلونت بلون ثيابهم فصارت كلها بيضاء، الكل سواء فأكرمهم أتقاهم، وأفضلهم أكثرهم خشية، وأعلاهم أكثرهم نقاء، وأسماهم أخلصهم عبادة.
إنها ثورة حقيقية و مليونية معبرة عن تلك القناعات..... ثورة علي سبيل الشيطان وأوليائه وأتباعه وأنصاره.
ثورة علي انحرافات النفس البشرية وهواها، ثورة علي الدنس من كل نوع و من كل شكل، ثورة التوحيد ضد الشرك و أهله، وضد الظلم وأهله، وضد الذنب و أهله، قائدها هو النبي الأكرم صلي الله عليه و سلم، ومنهاجها كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه و سلم، و سبيلها سبيل المؤمنين .
تهفوا إليهم أرواحنا من كل حدب و صوب , و ترتجف بتلبيتهم قلوبنا إذ تهوي إلي البيت العتيق، و تطير إليهم نفوسنا شوقاَ ورجاءَ أن تلحق بذات الركب العظيم.
رَكْب تعانق فيه المتخاصمون وتسامحوا فيما بينهم، وهدأ فيه الغاضبون، رَكْب حفّته الملائكة من كل جانب، و نزلت عليهم السكينة عندما ارتفعت صيحاتهم للتلبية والتكبير، تتزلزل الأرض من تحت أقدامهم بسماع لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك.
مليونية ارتفعت أياديهم فيها و أكفّهم إلي السماء متذللين متوسلين للخالق أن يقبلهم، و ذرفت دموعهم راجين النجاة، فهنيئاَ لهم بتلك النفحات.
ذلك الركب ترك الدنيا وملذاتها وتجرد وترك الديار والأوطان والأهل و الأولاد وضحي بالغالي والنفيس، آملاَ الحج المبرور والذنب المغفور...
مليونية بات أصحابها يحلمون سنين بتحقيقها، يدّخرون لها مما يحبون، ويؤثرونها على محبات النفس والولد، فلما علم الله صدق نواياهم و بذل عزائمهم كانت هديته سبحانه هي الترجمة الفعلية لصيحاتهم وتلبيتهم و مرافقتهم موكب الحجيج.
هذه قلوبنا ستظل ترتجف ونحن في بيوتنا وأرواحنا تلاحقهم في مناسكهم، لكننا نرسل إليهم رسائلنا بألا ينسونا بدعائهم، و نرفع أكفنا إلي الإله بأن يبلغنا منازلهم وأن يجمع بهم نوايا كل من سعي للحاق بهذا الركب وتعثرت دابته و حال القدر بينه وبينهم.
فلنشاركهم بالعمل الصالح في هذه العشر، فقد وصي النبي صلي الله عليه و سلم حيث قال "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلي الله من هذه الأيام، فقالوا يا رسول الله و لا الجهاد في سبيل الله قال و لا الجهاد في سبيل لله إلا رجل خرج بنفسه و ماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" رواه البخاري.
و لنحمد الله تعالي كثيراَ، و نسبحه بكراَ و أصيلاَ، ولنشارك الحجيج في هذه الأيام المباركة التي بها يوم عرفة حيث يدنو الله فيه من خلقه ثم يباهي بأهل الموقف ملائكة السماء، فما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداَ من النار من يوم عرفة، و بمشاركة صيام غير الحجيج لكفارة سنتين، سنة ماضية و سنة قادمة.
إن هذه العشر منحة ربانية لمن لم يدرك ماأراد من الصالحات في شهر رمضان، و هي العزاء لمن فرط في رمضان، فعسانا أن ندرك ما بقي منها و لا نضيعها.
فلنشارك مليونية الحجيج المليونية البيضاء.... لننظف قلوبنا من كل شائبة، و لنتسامح و نتصافح بعضنا البعض، ولنترك التخاصم و الفرقة، ولنتحد علي البر والتقوى، ولنجاهد أنفسنا علي ترك المعاصي والذنوب، ونجاهدها أيضاَ و نعلمها الصبر علي طاعة الإله، ولنكثر من استغفارنا وتوبتنا و لنعقد في صدورنا التوبة النصوح، حتى ترتدي قلوبنا ثيابها البيضاء، وتكون نبضاتها... لبيك اللهم لبيك.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة