الأسرة المسلمة – منارة في حياة طفلها
تتأثر صورة الطفل التي يكونها حول ذاته والتي يرسمها لنفسه بالبيئة التي ينتمي إليها والأسرة التي تتولى رعايته. كما أن للكلمات التي يتلقاها من الأشخاص الذين يتصل بهم وتربطه بهم علاقة تأثير في تكوين شخصيته وتقديره لذاته، وكثيرا ما نجده يكرر عبارات عن نفسه سمعها من الآخرين...
إن الأطفال أمانة أودعها الله الأسرة لتقوم على إيصاله إلى الطريق السوي.
فمن اللحظة التي تتلقى الأسرة هذه الهبة من الله تعالى تبدأ عملية بناء الشخصية لهذا الوافد الجديد إلى الحياة. فالأسرة هي المنارة التي تضيء له سبل حياته منذ نعومة أظافره. الأسرة مازالت من قديم الأزل المعني الأول في التربية، من هنا نرى أهمية الحديث عن الأسرة ومميزاتها التي تسهم في تنشئة الطفل والتأثير في بناء شخصيته ليكون كما أراده الله سبحانه وتعالى: قادراً على عمارة الأرض وعبادة الله وأن يكون الخليفة التي تقيم حكم الخالق سبحانه وتعالى.
فيا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات إن الله قد استرعانا هذه اللبنات الطرية وحملنا أمانة تربيتهم، وحسن رعايتهم، فتعالوا معنا إلى نبع العلم نستقي منه المميزات التي تجعل من الأسرة بيئة مثرية لنفس الطفل، من جميع جوانبها النفسية والجسمية والعقلية.
الأسرة المميزة هي التي تجعل بيئتها واضحة المعالم، خصبة الموطن،غزيرة العطاء، هي الأسرة التي تحدد مسارها وتدرك هدفها.
وهنا نضع بين أيديكم النقاط الجوهرية التي يشع نورها ليضيء لنا الطريق وتساعدنا على الوصول إلى بر الأمان:
أولا: رؤية الأسرة المسلمة:
أسرة مرجعيتها تعاليم الدين الإسلامي، فهي تدرك معنى الإسلام وانتمائها لهذا الدين، قال تعالى: { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له،وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام: 162-163) . أسرة تعمل في تربيتها لأبنائها على إشاعة روح التواضع الملازم لعدم الخنوع أو الاستسلام، وتعلمهم أن الشريعة الإسلامية رحمة كلها وعدل كلها ومصلحة كلها.
ثانيا: قيم ومبادئ الأسرة المسلمة:
القيم في معظم الأحيان (حاجات) للأفراد، ثم تصبح بعد ذلك حاجات اجتماعية: فهو الدافع الذي يحمل المرء على سلوك تصرف في موقف من مواقف الحياة اليومية، مثلا: الذي يسامح من أساء إليه ذلك أنه يحمل مبدأ المسامحة. كما أن قيمة الأمور المادية تأتي من أهميتها في مدى حاجاتنا لها في حياتنا، هذا يعني أن القيم تختلف من أسرة إلى أخرى، فما هي القيم التي تتميز بها الأسرة المسلمة عن غيرها؟
إنّ الحديث عن القيم الإيجابية أوالسلبية التي على الأسرة المسلمة الانتباه إليها، حديث يطول لها المقام، ومن ثم، فسأكتفي بذكر القيم السبع الآتية:
1- ننوي الخير في تعاملنا، ونحرص على نقاء سرائرنا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره..." رواه مسلم
2- التطوع هو مصدر رفاهيتنا الروحية: نحن نشعر بالأناقة الداخلية والرفاهية الروحية حين نؤدي الواجب ونترك المحرمات ثم نجاوزه لعمل ما ليس بواجب، مثل أداء النوافل والسنن والمستحبات.
3- المروءة وسمو الذات: وذلك بالتخلق بفضائل الأخلاق والتطلع الى المعالي في الانجازات، عن عمررضي الله عنه قال: "لا تصغرن هممكم، فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم"
4- الحرص على الكسب المشروع: ففي زمننا كثرت الطرق الملتوية للكسب وكلها بدافع التربية ومن أجل الأبناء، ولو فقه الآباء أن أبناءهم يكسبون قيمهم من سلوكهم لكان شأنهم مختلفا.. فالأسرة المسلمة هي التي تحرص على ألا يلوث دخلها المال الحرام امتثالا لأمر الله تعالى: "يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبت ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون"( البقرة: 172)
5- لا تساوم على مبادئها ولا على كرامتها: فجوهر الالتزام بتعاليم الإسلام يكمن في التمسك بالمبدأ وهو شرط للاستقامة والمضي في الطريق الصحيح، وقد أوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك حين قال له: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم} ( الزخرف:43)
6- نقيم العدل في حياتنا ونقف في وجه الظلم والظالمين، ويكفي أن نقرأ قوله سبحانه وتعالى: {ولويرى الذين ظلموا إذيرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العقاب} ( البقرة: 165)، وقوله: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} (الشعراء:227)، وقوله: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} (هود:102)
7- نرتقي بلغتنا: اللغة هي الوسيلة للتعبيرعن الأفكار والمشاعر، هي رسول من أعماق النفس إلى الخارج، لذا فإن ما ننطق به يصنع الأفكار والمشاعر ويترك الانطباعات عند الآخرين، وعليه يترتب ثواب او عقاب، ومن هنا نبهنا الله سبحانه وتعالى إلى أن هناك من يحصي علينا ألفاظنا لنحاسب عليه في ما بعد حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (ق: 18). من هنا نرى أنّ المسؤولية تقع على كاهل الآباء في إثراء أبنائهم باللغة التي سيتخدمونها في مخاطبة الآخرين، فلنحرص على إمدادهم بما يرتقي بهم ويقيهم السوء ،ويجعل ثقتهم بأنفسهم تزداد ويكسبهم مكانة متألقة في المجتمع.
ثالثا: العلاقات بين الأفراد – داخل الأسرة أو خارجها- :
مما لا شك فيه أن الطفل شديد التأثر بالعلاقات التي تربط الأفراد الذين يحيا معهم والذين يكثر لقاؤه بهم، وينعكس ذلك عليه إيجابا أوسلبا فهو ينمي مفاهيمه وقيمه ومبادئه من خلال ملاحظاته المتكررة، فلنحرص أن تكون علاقاتنا قائمة على أسس إسلامية نقية. ونورد في ما يلي بعض الإضاءات حول العلاقات التي تسهم في إثراء نفس الطفل وتقديره لذاته:
- تفاهم الزوجان وتحاببهما يترك آثارا بعيدة المدى في حياة الأبناء.
- الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة مما ينمي في الطفل تقديره لذاته، فالله عزّ وجلّ كرّم الإنسان وأسجد لأبينا آدم عليه السلام ملائكته بعد أن نفخ فيه الروح.
- بث الثقة بين أفراد الأسرة، وتقدير آرائهم وتصويبها من غير تعنيف.
- اعتماد أسلوب الحوار الإسلامي في نقاش أي موضوع، والابتعاد عن التلقين المباشر وتوجيه الانتقادات اللاذعة للطفل أو الأوامر القمعية والتي غالبا ما يجهل الهدف منها.
- تعويد الطفل منذ الصغر على ألا ينتظر الثناء والمدح على عمل قام به، وعلى ألا ينتظر التشجيع على أمر ينوي القيام به، بحيث لا يكون المدح او التشجيع هو الغاية التي يبحث عنها وينتظرها عند ذلك لن يكون للعمل الذي سينجزه أي قيمة، بل يمتدح الطفل لذاته "فهو هدية رائعة تلقاها الآباء من الله تعالى"، بهذا يقدمون له الرعاية الصحية النفسية وينمون فيه ثقته بنفسه.
- تحفيز الطفل دائما على أن يبادر إلى قضاء حاجاته دون انتظار مساعدة من أحد، وإن كانت عيون الأهل دائمة الرعاية له والحرص على مساندته. وتعويده على أن يلجأ إلى الله تعالى ويطلب منه المعونة والقوة.
- إن الطريقة التي يقدم فيها الآباء أبناءهم للآخرين هي بمثابة رسم الصورة التي سيكونها الطفل عن نفسه خارج الأسرة فليحرص الآباء على تقديم أبنائهم بأجمل الصفات واختيار الكلمات التي تثري الثقة في نفوسهم وتجعل صورتهم محببة إلى ذواتهم.
- التسامح مع أخطائهم فهي طريقهم إلى التعلم ،فليحلم الآباء على أبنائهم وليحرصوا على أن يغرسوا في نفوسهم أنهم أهم من أي شيء مادي، فإن الطفل إذا شعر أن أباه او أمه يفضلان شيئا عليه فإن ذلك يدفع به إلى الحكم على نفسه بالدونية في كثير من الأحيان وقد يؤدي ذلك إلى تصرفه بشكل غير مرغوب من قبل الآباء.
-إشراكهم في العبادات والأنشطة الأسرية المتنوعة- كل أسرة على حسب ما يتلاءم مع طبيعتها وما يناسب أعمار أبنائها واحتياجاتهم- ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: تلاوة القرآن، مذاكرة الحديث والسيرة، قراءة القصص، الخطابة، لعبة جماعية، ترديد الأناشيد الهادفة...
نسأل الله تعالى أن يجعل بيوتنا منارات للعلم ومحاضن دافئة تسودها المحبة والألفة وتظللها رعاية الله. فالأسرة هي نواة المجتمع والأبناء هم لبناته، ولنتذكر دوما أنهم هدية من رب العالمين فلنشكر الله على هذه النعمة ولنرعها حق رعايتها فهو سائلنا عما استرعانا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن