العصبيّة.. مِعولُ هَدْم!
هو: أين وضعتِ الملف الأزرق؟ فتشتُ عنه ولم أجده! قلتُ لكِ مئة مرة لا تزحزحيه من مكانه على الطاولة!
هي: وضعتُه مع أوراقك وملفاتك في درج المكتبة.. فهناك يكون بعيداً عن متناول الأيدي وتبقى الغرفة مرتبة أكثر!
هو: وهل أغراضي فقط التي تجعل البيت فوضوياً؟! أم لأنها لي تريدين إبعادها عن أنظارك؟!
هي: هل هذا ظنّكَ بي؟! وهل هذا جزائي لأني أرتب البيت وأحافظ على أوراقك؟
هو: بل أنتِ لا تسمعين كلمتي.. ولا يهمك ما أريد.. ومذ تزوجنا وأنا أُعيد عليكِ ما أرغب مراراً دون جدوى!
هي: هل يُعقَل أن تقيم الدنيا ولا تُقعِدها من أجل ملف وضعته في مكان آخر؟ هل أستحق منك كل هذا اللوم وأنا التي أضحّي بصحتي وجهدي ووقتي من أجل هذا البيت؟! ألم تملّ من هذا الزخ الكلامي كل يوم وآخر؟ هل يستحق ملف أن تصرخ بوجهي؟ سئمت الحياة معك ولم أعد أستطيع التحمل أكثر! ليتني لم أتزوجك!
يخرج هو من البيت ساخطاً.. ضارباً الباب بعنفٍ كأنه المسؤول عن سوء التفاهم هذا بينه وبين زوجته.. وفي خلده تدور أفكار مقيتة.. فهي كسولة ومهملة لا تكترث لأشيائه.. ولا تهمها رغباته.. وعليه هو أن يتنازل وهي تزيد في العناد!
وتجهش هي بالبكاء.. تبقى تتمتمُ بكلمات الحَنَق والندم على هذا الزواج الذي لم يورِثها إلا التعب والقلق! فكلما قصّرت في كَيّ الثياب أو طهي الطعام وبّخها.. وكلما دخلت حواراً معه أقمعها.. وهو أنانيّ لا يفكر إلا بنفسه!
كَم مرّت علينا مثل هذه الحوادث وسمعنا ترانيم زوجٍ وزوجة لم يعودا يُطيقان الاستمرار لأن كلّاً منهما يرى في الآخر قاتلاً لسعادته وسبباً في توتره الدائم! ولو وقفنا عند الأسباب الحقيقية وراء كل خلاف لوجدنا أنها - ربما - أبعد ما تكون عن الأسباب الظاهرة!.. فتفتر العلاقة ويتباعد الزوجان عاطفياً وجسدياً وقد ينتهي الأمر بالطلاق الفعلي أو الصامت! بسبب ماذا؟!! بكل بساطة: العصبية!!
لا بدّ لكلا الطرفين أن يتفهما نقطة مهمة جداً.. وهي أنهما يأتيان من خلفيات مختلفة.. وطباع قد تكون متباينة.. وعادات متغايِرة.. فلا أقل من الوعي بأن التطابق أمر غير وارد ولا مطلوب.. وأن الاختلاف سُنّة وهو مصدر إغناء للعلاقة، وتكمن المشكلة حين ينظران إلى هذا الاختلاف على أنه خلل يجب إصلاحه!
وعلى الزوجين توخي الحذر.. والعمل على الإصلاح وعدم الاسترسال في العصبية لأنه مع استمرارها واستباحتها قد يصل الأمر إلى التعنيف بشكلَيْه النفسي والبدني! وهنا تكمن الكارثة الحقيقية! مع أن فقدان المودة والسكن ثم الدخول في حالات الكبت والاكتئاب جرّاء العصبية من أيّ الزوجين كان: هو مأساة بحد ذاته!
ومع أن هذه المشكلة ترتبط بالأشخاص أنفسهم وقد تختلف من حالةٍ لأُخرى إلا أن أسباب هذه العصبية قد نُجمِلها ببعض أهم النقاط مثل: ضعف الوازع الديني، ضعف الثقة بالنفس، مفهوم خاطئ للقِوامة، عدم التوافق الزوجي، النشأة في جو أسريّ مضطرب، عصيان الزوج أو عدم طاعته، العناد الدائم، الإهمال، طغيان المادية وغيرها..
وحقيقة لا بدّ من وقفة مع الزوجين.. إن لم يتغير الوضع فما الذي يمكن أن يحدث؟! ألن يَصِلا في نهاية المطاف إلى ما لا تحمد عقباه؟! أليس من الأَوْلى أن يفتِّشا عن الأسباب الجوهرية للخلافات التي تتجلى فيها العصبية بشكل واضح ليعملا على إيجاد حلول تُرضيهما؟! ألا يمكن أن يكون سبب تلك المعركة تقصير الزوجة - مثلاً- في العلاقة الحميمية فانفعل هو لسبب تافه - نقل الملف مثلاً - وعَلا صراخه ليفرّغ كبته؟! أليس من الأفضل اعتماد مبدأ الحوار والمصارحة بدلاً من الصراخ وسَيْل الاتهامات؟! أليس تثبيت المودة والعمل على استقرار البيت أنجع من الثمن الذي سيدفعانه «روحياً ونفسياً» في الطلاق؟! أليس اتّباع علاج الغضب في السنّة النبوية الشريفة أسهل من تصاعد نوبات الغضب حتى بلوغ الذروة؟!
الوضوء.. تغيير الوضعية والمكان.. الحوقلة.. الرياضة.. الاستغفار.. كل ذلك يساعد على تهدئة النفس.. حتى إذا ما سكن القلب دخل في عملية الحوار الهادئ للوصول إلى حل مناسب يتفق عليه الزوجان..
وقبل ذلك كله توطين النفس وترويضها على عدم ارتفاع الصوت مهما حصل.. والاقتناع بأن العصبية ليست خاصّية وراثية أو صفة شخصية لا يمكن التخلص منها! والإيمان أن العصبية مقيتة، وإن على الزوجين تغييرها!
والأجمل أن نتحرّى ساعة صفاء ليتساءل الزوجان فيما بينهما: أي الأساليب أنجح للعلاج؟ وأي الآليات أفضل للتعامل حال هيَجان الغضب؟ ثم أخذ العهد مع الطرف الآخر ببذل كل الجهد للتخلص من هذه الآفة وبالتواصي والمساعدة فيما بينهما!
مَن مِنّا لا يعاني من ضغوط الحياة وأعبائها حتى تكاد تثقل الروح والقلب؟! إلا أن إيماننا أن الحياة دار ابتلاء.. وتحديد أهدافنا في الحياة والرضا والقناعة بما قسم الله تعالى لنا.. واستخدام عقولنا وتطوير مهاراتنا للتعامل مع المشكلات.. كل ذلك من شأنه أن يضفي نكهة خاصة للمحن مهما تعاظمت!
وليتذكر الزوج وصية الحبيب صلّى الله عليه و سلّم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».. ولتتذكر الزوجة توجيه الحبيب صلّى الله عليه و سلّم حيث قال: «إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فَرْجها، وأطاعت زوجها، دخلت الجنة».. بعد كل هذا: أفلا تستحق هذه الهدية العظمى الصبر والحكمة وسعة الصدر؟!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة