ليلة زفافها
ساد السكون وسط العتمة تقطعه همسات فضولية، فأسرعتُ أعطي إشارة البدء وأهرول لآخذ مكاني وأنتظر أن ينشقّ الصمت وتدوّي الألحان... رفعتُ فستانها المفروش على الأرض كالثلج، ناصع البياض كقلبها المؤمن المفعم بالصدق والوفاء، فُلّة ندية وياسمينة عطرة أوراقها كالسندس المُلَفلف بالحياء والنعومة الطاهرة.
سأخطو وراءها، تماماً كما كنت أخطو خلال سبعة أعوام من الصداقة التي جمعتنا، خطوة بخطوة أحذو حذوها... أتعجب الآن وأقول كيف؟ كيف أرتدي الآن ما ترتدي هي؟ أفعل ما تفعل هي؟ أقول ما تقول هي وأصدّق ما تقول؟ قدوتي بكل معنى الكلمة. ها هي ترتبك في خطواتها الأولى وترسل يدها لتضغطَ على يدي لأتنبهَ من أفكاري وأمسحَ على يدها مطمئنة، ويتصاعد نشيدٌ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم مع إيقاع زفتها، وألحظها أنا بعيون منبهرة... تماماً كما تنظر بعض الشابات إلى نجمات الرقص والغناء والتمثيل، وأنى لهؤلاء أن ينافسن ظُفرها؟ مشت على طريقها الممهد كما تمشي في طريق الله... وخطواتها تحكي عن سلطانة لغيرها من الجواري التائهات.
أجلستُها على مقعدها وأصلحتُ فستانها حولها، فأصبحتْ كما هي ملكة متربعة على العرش، أجمل من كل اللواتي يُسمَّين جميلات... علّمتني كيف أحيا لله وبالله ومع الله، كله دون تكلّف، بل كان حماسها في سبيل الله يدهشني، كان صدقها في الأداء يُشعلني، كان في بعض الأحيان صمتها وحتماً سَمْتها يثيران غبطتي وغَيْرتي.
الجميلات توافدن من ضيفاتها لتؤدّين واجبَ الصداقة، وعيونُهن تلمعُ بالحبِّ لها والسعادةِ لسعادتها، والشوقِ للإمساك بيديها... وأنا أتأملها، لكنني لم أجد في جمال العروس، فقد حازتْ من نور الإيمان ما يجتذبُ النفوس: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}.
أمسكتُ بيدها وانضممتُ معها إلى الفتيات وهي تضحك بغبطةٍ ومرحٍ، فأحاطتنا الفتياتُ بدائرةٍ متموجةٍ لأهمسَ في مركزِها وسط الصخبِ الحائل بين صوتي وأذنها: أحبك في الله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة