الاختلاف.. قواعده وآدابه
لم يعش الناس معاً إلا واختلف بعضُهم مع بعض: الأخ مع أخيه، والزوج مع زوجته، والشريك مع شريكه، وزمرة الطلاب في المدرسة، وجماعة المصلّين في الجامع، وساكنو العمارة الواحدة وأهل الحي الواحد. لا يمكن أن يعيش الناس متفقين الوقتَ كله، بل لا بدّ أن يختلفوا، والاختلاف من سنن الله في خلقه: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين... ولذلك خلقهم}. صحيحٌ أن الآية تصف الاختلاف في الدين والاعتقاد، ولكن المعنى عام ويصلح لوصف كل اختلاف كما قال بعض العلماء.
إن العقلاء لا يسعون إلى قطع الاختلاف بين الناس ومنعه بالكلّية لأن هذا مُحال، وإنما هم يسعَون إلى حل الخلاف وتهذيب الاختلاف، وصيانته عن التحول إلى نزاع يوغر الصدور ويهدم العلاقات فيُغضب الرحمن ويُرضي الشيطان، ويسعون إلى ترسيخ قواعد الاختلاف وآدابه.
آداب الاختلاف
1- لا يفترض أي من الطرفين أنه على حق مطلق وأن خصمه على خطأ مطلق، فكلا الطرفين يحتملان الخطأ والصواب.
2- لا يفرض أحدُ الطرفين رأيَه على الآخر بالقوة ولا يستعين بغيره من الأقوياء ضد خصمه (أقوياء الجاه أو العلاقات أو السلاح).
3- لا يتجاوز أي من طرفَي الخلاف مع الطرف الآخر حدود الدين والأدب، فلا يسبّ ولا يحقّر ولا يتهم بغير بيّنة، ولا يغتاب خصمَه ولا يذيع عنه قالةَ السوء.
4- لا يسمح أي من الأطراف للاختلاف بأن يفسد القلب، فلا يكره ولا يحقد، وليضع رضا رب العالمين بين عينيه ويتذكر على الدوام ما أعدّه الله من جزاء عظيم للمتسامحين والمتجاوزين.
قواعد الاختلاف
1- الاختلاف لا يُحَلّ إلا بالود والتفاهم والتراحم، ولا يُستعمَل فيه أي نوع من أنواع القوة: لا قوة العلاقات أو الجاه التي يعتمد عليها الناس في وقت السلم ولا قوة السلاح التي يعتمدون عليها في وقت الحرب.
2- إذا كان الاختلاف في مسألة عامة وعجز طرفا الخلاف عن حلها فينبغي أن تُحال إلى لجنة تحكيم تضمّ بعض العقلاء والوجهاء ويختار أعضاءَها طرفا المشكلة، قياساً على التحكيم في الخلاف الزوجي، وتتوصل اللجنة إلى الحكم بالأكثرية وهو مُلزم للطرفين.
3- إذا وقع الاختلاف في قضايا اختصاصية فيجب الرجوع إلى أهل الاختصاص ليقطعوا فيها بالرأي، فلو اختلف جماعة في مسألة طبية فإن الذي يحسمها هو الطبيب، ولو اختلفوا في مسألة شرعية فالذي يجلوها هو العالم، ولو اختلفوا على أمر قانوني فليستشيروا محامياً أو واحداً من القضاة، وهكذا في كل اختصاص.
قاعدة إضافية تخص أهل السلاح دون سواهم
إياك يا حامل السلاح أن تفكر في حل مشكلتك مع إخوانك بالسلاح. إياك أن ترفع سلاحَك في وجه أخيك أو تهدده برفع السلاح! اسمع ما يقوله نبيّك عليه الصلاة والسلام: "مَن أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين يريد قتله فقد وجب دمه"، وقوله: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه". واعلم أن المسلم نُهي عن أن يشهر سلاحه على المسلم مهما يكن السبب، حتى ولو كان مازحاً؛ قال صلى الله عليه وسلم: "لا يشيرُ أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدُكم لعل الشيطان ينزِغ في يده فيقع في حفرة من النار".
يا حامل السلاح: إذا اختلفت مع سواك فردّ الأمر إلى العقلاء من أهل الحي أو المنطقة، وضع مشكلتك بين أيديهم وارضَ بحكمهم كما يصنع كل واحد من عامة الناس. في الحق الكل سواء، لا فرق في الحق بين مسلّح وغير مسلح ولا بين غني وفقير ولا بين أمير وحقير، وإلا فإننا سوف نفقد الأمان وتتحول بلادنا إلى غابات يأكل فيها القوي الضعيفَ لا قدّر الله. وتذكر أخيراً: إنك إنما حملتَ السلاح لتُحِقّ الحق وتدفع الباطل لا لتنصر الباطل على الحق، وحملت السلاح لترضي الرحمن لا لتتبع نزغ الشيطان.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن