يعتبر الدكتور محمد بن موسى الشريف من القلائل في العالم العربي الذين جمعوا بين فنون عدة وبرعوا وبرزوا فيها بشكل واضح وملفت من مواليد جدة عام 1381 هـ، وأسرته من المدينة المنورة، و يتصل نسبهم بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: كابتن طيار مدني - بكالوريوس الشريعة 1408 هـ، كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- ماجستير في الكتاب والسنة 1412 هـ، كلية الدعوة وأصول الدين، بجامعة ام القرى - دكتوراه في الكتاب والسنة 1417 هـ، كلية الدعوة وأصول الدين، بجامعة أم القرى - قرأ القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة على فضيلة الشيخ الدكتور أيمن سويد - مشرف موقع التاريخ - عضو الهيئة التأسيسية للهيئة العالمية للقران الكريم، وعضو مجلس إدارتها سابقاً – وله مؤلفات عديدة.
ما هكذا كان السلف
تكثر في هذه الأيام في مصر مقابلات لرموز من التيار السلفي في عدد من القنوات الفضائية للحديث عن أخطاء سيادة الرئيس الشرعي لمصر الأخ الدكتور محمد مرسى حفظه الله وعجل بإخراجه واعادته إلى سدة الحكم بإذنه تعالى وكذلك الحديث عن أخطاء الاسلاميين عموماً في مدة حكمهم، وتوسع أولئك المدعوون في هذا النقد، وأكثروا منه، ولي على هذا الأمر بضع ملاحظات، هي التالية:
1- إن قبول هذه الاستضافة في تلك القنوات هي عمل خاطئ تماماً، إذ إن تلك القنوات هي أبعد ما تكون عن حمل الهم الإسلامي، والذود عن المسلمين، بل أكثرها قنوات مشبوهة، تعمل من أجل هدم حرمة الدين في العقول والقلوب، وتقذف بشبهات لا حصر لها في كل مناحي الشرع المطهر، وهي قنوات مليئة بالشهوات الحرام، والقائمون عليها لا يرجون لله وقارا، فهل يصلح أن يخرج فيها من المحسوبين على التيار الإسلامي ليعدد أخطاء إخوانه، ويزيد من همومهم، ويشمت بهم أعداءهم، ويعمق الجراح، ويكثر من التيئيس، والتلبيس؟
2- هل من المروءة والنخوة والشهامة أن تذكر أخطاء التيار الإسلامي الحاكم في وقت يقبع فيه رموزه في غياهب السجون، وظلام الظلم، وتشويه الإعلام الماجن الفاسق؟
وهل من المروءة والنخوة والشهامة أن يذكر المرء إخوانه بسوء وهم على ما هم عليه من ضيق، وأهلوهم في غاية من القلق على أحوالهم وما هم فيه من تضييق وسجن متطاول؟
3- ثم إن أكثر هؤلاء الرموز يذكرون أموراً من المذام والنقائص لا يجوز بحال أن تذكر أمام المتربصين بالمشروع الإسلامي وفي قنوات السوء والعهر الفضائي، والضلال البعيد، بل الواجب أن ننصح بعضنا بعضا بعيداً عن أولئك المتربصين بنا سوءاً، وفي ظلال من الرحمة والحب في الله لا التشفى والشماتة وفضح بعضنا بعضاً أمام أعدائنا، فتلك القنوات لا تريد بنا إلا سوءاً، ولا يهمها أبداً أن تنصلح أحوالنا.
4- ثم إن الحديث متضمن لبعض الرضى عما صنعه الغادر وزير الدفاع بالرئيس والحكومة، والسكوت عن قتل الآلاف من أبناء مصر وبناتها، وإزالة كثير من معالم الإسلام، وإبعاد المخلصين وتقريب المنافقين والفاسدين، والاعتداء على كثير من الصالحين والصالحات في البيوت والطرقات، وإذا تحدث متحدث بإنكار بعض ذلك فإنما يكون على وجه الاختصار وبالإشارة أحياناً دون العبارة، وهذا كله يُخشى على من صنعه أنه يكون مائلاً إلى الظالمين، راضياً بصنيعهم وقد قال تعالى : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) وقد قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى :
الركون حقيقة: الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به، قال قتادة : معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم. قال ابن جريج : لا تميلوا إليهم. قال أبو العالية : لا ترضوا أعمالهم: وكله متقارب.
قوله تعالى: فتمسكم النار أي تحرقكم بمخالطتهم ومصاحبتهم وممالأتهم على إعراضهم وموافقتهم في أمورهم.
وقال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (ولا تركنوا):
عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا، وهذا القول حسن أي لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم {فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} أي ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم ولا ناصر يخلصكم من عذابه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(وقد قال غير واحد من السلف: أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه لاق لهم دواة أو برى لهم قلما، ومنهم من كان يقول بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم)
[مجموع الفتاوى، الجزء 7، صفحة 64]
ومما أثر عن الصحابة - رضى الله عنهم - في هذا الباب ما رواه البخاري في تاريخه والبيهقي في الشعب عن علي قال: اتّقوا أبواب السلطان.
ومنها ما رواه معمر في جامعه والخطابي في العزلة والبيهقي عن ابن مسعود قال: "إنّ على أبواب السلطان فتنا كمبارك الإبل، لا تصيبوا من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينكم مثله".
قال السجّان لأحمد بن حنبل: هل أنا من أعوان الظلمة؟ فقال: لا، أنت من الظلمة، إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر. كتاب صيد الخاطر
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة.
وقال مكحول الدمشقي: ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأعوانهم؟ فما يبقى أحد مد لهم حبرا أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلما فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم.
وجاء رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال: إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة؟ فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم و لكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة و الخيوط. كتاب الكبائر
وقال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى :
قوله تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) فذكر تعالى: أن الركون إلى الظلمة من الكفار والظالمين موجب لمسيس النار، ولم يفرق بين من خاف منهم، وغيره. إلا المكره. فكيف بمن اتخذ الركون إليهم ديناً و رأياً حسناً، و أعانهم بما قدر عليه من مال ورأي... فإن هذا من أعظم الكفر والركون.
وختاماً :
أنصح أخواني من التيار السلفي ألا يستجيبوا أبداً للدعوات التي يوجهها إليهم أهل الفسق والضلال البعيد، وممن يريد بهذا الدين وأهله سوءاً ليخرج في قنواتهم العاهرة الضالة ليسلق إخوانه بألسنة حداد ويعدد معايبهم، ويذكر سوءاتهم، ويبين عوراتهم، فإن هذا ليس من النصيحة أبداً لا لله ولا لكتابه ولا لرسوله ولا لأئمة المسلمين ولا لعامتهم، بل كثير منهم هداهم الله أظهر الشماتة، وأنحى باللائمة على إخوانه، وعدد أخطاءهم أمام الفسقة والفاسدين والظالين ومن لا يهمهم إلا إسقاط المشروع الإسلامي وأهله ودفنه إلى الأبد، والله المستعان.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة