زوجة سليمان القانوني المفترى عليها في مسلسل حريم السلطان
لم يكن في ظنّ "ميرال أوكاي"، التي ولدت في أنقرة سنة 1959، وهي كاتبة سيناريو مسلسل "القرن العظيم" أو ما ترجم عند العرب بـ ”حريم السلطان“، والذي أثار ضجة كبيرة في تركيا حتى أوصلت بعض المتحمسين الأتراك إلى التظاهر أمام القناة التركية المنتجة. وكتبت الصحف عنه كثيراً من المقالات خاصة حول شخصية أم السلطان سليم الثاني ”روكسلان“، التي ظهرت في مسلسل حريم السلطان بشكل غير لائق بها ولا يمت إلى تاريخها ولا حقيقتها بصلة، ولكن السيناريست “أوكاي” أخذت ما كتبه الأعداء عنها ولم يكتبه أحد من مؤرخي الدولة العثمانية فنسجت من خيالها هذا الدور الفظيع.
وكاتبة مسلسل حريم السلطان أيضا ليست مؤرخة ولا علاقة لها بتاريخ بني عثمان، ولكنها كما أسلفت إنما تنفذ ما يطلبه منها المنتج والمخرج لهدف الإثارة والترويج ولو على حساب الحقيقة التاريخية. وهي ليست بِدْعاً من الكُتّاب، بل أغلب مؤلفي القصص التاريخية يفعلون مثل فعلها عندما يكون نصب أعينهم حاجة المنتجين للربح وترويج أعمالهم التاريخية وإلا ستكون خسارتهم فادحة، ولا ألومهم على ذلك وإنما ألوم من يصدق هذا التاريخ ويعتقد أنه حقيقة بلا شك كما قال لي بعض الأصدقاء منذ أيام وهو يجادلني!!.
“روكسلان” أو “روكسانة” الجارية الأوكرانية، التي عرفت بخرّم سلطان أصبحت والدةً لرجل يعدّ من أعظم السلاطين العثمانيين وهو سليم الثاني، ولها أفضال كثيرة وأوقاف وأعمال خيرية، منها إكمال عيون زبيدة التي بدأتها زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، حيث وصل إلى علمها أنّ المياه صارت شحيحة لأهل مكة، فأمرت بإكمال العيون حتى تصل إلى مكة المكرمة، وقد اطلعت بنفسي على إحدى هذه العيون قريبا من وادي نعمان، وكنت أظنها قبل من عمل زبيدة.
ولكني عرفت بعد ذلك أنها من أعمال هذه المرأة الجليلة “روكسلان”. وقد قامت أيضا ببناء مستشفيات وأعمال خيرية ومساجد في تركيا وفلسطين ومكة وغيرها من بلاد المسلمين، ولايزال هناك مخطوطات ومصاحف تحمل اسمها أوقافا لطلبة العلم والمساجد، فهل يصح أن تسمى هذه المرأة الصالحة بالأفعى اليهودية كما ينعتها بعض من لا علم لديه؟ وهل نصدق ما يظهره هذا المسلسل عنها؟ الجواب: لا ولن نقبل بتشويه هذا التاريخ العظيم لمجرد هوى كاتبة لا تعرفه، هذا وقد توفيت هذه المرأة الجليلة في 18 إبريل من عام 1558م رحمها الله تعالى.
ولا أدري ما سرّ إصرار بعض المؤرخين الغربيين على تشويه صورة والدة سليم الثاني، وقد يكون هناك أسباب خفية منها أن سليم الثاني قام بأعمال عظيمة في إيقاف التوغل الأوروبي، حتى ضربت جيوشه البرتغاليين في الشرق الأقصى وقام بتأمين كثير من البلدان الإسلامية الخاضعة لسلطانه، مفوّتاً فرصة كبيرة على الطامعين الأوربيين وغيرهم، أم هي الادعاءات البغيضة على سلاطين الإسلام حتى تبقى صورة المسلمين مشوّهة أمام العالم المتقدم وبهذا يستطيعون التشكيك في الإسلام نفسه!!.
أتابع معكم ذكر بعض تاريخ السلطان سليمان القانوني:
– منذ 1538 أمر السلطان سليمان بمحاربة البرتغاليين أينما كانوا، وكان يرسل سفنه في كل مكان للدفاع عن أي مستغيث به حتى قام بتأمين كثير من المدن الإسلامية.
– بانضمام القائد خير الدين باربروسا إلى البحرية العثمانية استطاع السلطان أن يؤسس أقوى الأساطيل البحرية، التي استطاعت أن تقلل من هجمات شارل الخامس وأمنت شمال إفريقيا تونس والجزائر وبعضا من المغرب، واستطاع انقاذ آلاف المسلمين من قبضة الأسبان، قيل بلغ عددهم 70 ألفا.
للسلطان سليمان أعمال كثيرة لا نستطيع حصرها في هذه المقالة، ولا تصدقوا أن رجلا قضى عمره في الفتوحات لديه وقت لما ترونه في المسلسل، فعلى سبيل المثال قد بقى سنة كاملة لم يرجع إلى قصره حتى حرر بغداد من الصفويين، وإني أنصح باقتناء كتاب “سلطان الشرق العظيم سليمان القانوني”، وهو من تأليف هارلود لامب وقد ترجم إلى العربية وهو كتاب ممتع ومفيد.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة