* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
ربّما لم يمر على العالم الإسلامي فترة هي أشد حُلكة مما نحن فيه هذه الأيام، صحيح أنّ العالم الإسلامي تعرض في السابق لغارات عديدة للقضاء على الإسلام وإبادة أهله، على أيدي المغول والصليبيين وغيرهم، إلا أن الغارة اليوم على العالم الإسلامي تختلف عن سابقاتها من ناحيتين:
الأولى: أنها لا تستهدف المسلمين كونهم أمّة لها مقدسات وأرض وخيرات فحسب، بل تستهدف كذلك الإسلام دين الله من خلال محاولات سافرة بائسة للتشكيك بالعقيدة الإسلامية والحقائق الإيمانية كالتوحيد والقرآن الكريم وشخصية النّبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم وسنّته الشريفة وصولاً إلى الأحكام الشرعية القطعية كالحجاب والجهاد في سبيل الله والحكم بما أنزل الله والحَلّ الإسلامي.
الثانية: أنّ العدوان على ديننا وأمتنا ليس عدواناً خارجياً فحسب، بل هو أيضاً عدوان داخلي يتعاون فيه العملاء المنافقون والطغاة المستبدون مع الكافرين الماكرين للقضاء على الإسلام وأهله في عقر دار المسلمين، بل الأخطر من ذلك كلّه أن يشوّه اٍلاسلام بأيدي بعض من يزعمون الانتساب إليه، بطريقة وحشية همجية يندى لها جبين الإسلام والإنسانية.
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ
إن كان في القلب إيمان وإسلام
ويكشف لنا المولى تبارك وتعالى في كتابه العزيز ، طبيعة هذه المعركة فيقول : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ).
(وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا).
وفي المقابل، يأمرنا المولى تبارك وتعالى بإعداد كل أشكال القوة المشروعة لمواجهة الأعداء الظاهرين والمتسترين، فيقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ).
كما أنّ المولى تبارك وتعالى بشرَنا بأنّ هذا الدّين سيبقى ظاهراً وأنّ أمَّته ستبقى منصورةً مهما اشتدت عواصف المكر والبغي، فيقول: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون).
أما الذين يصرّون على إساءة فهم هذا الدّين ويتغافلون عن جرائم أعدائه بحقّه وحقّ أهله، ويريدون أن يحاكموا الإسلام من خلال أخطاء بعض أبنائه أو دسائس أعدائه، فنقول لهم إذا أردتم ان تعرفوا الإسلام وتحكموا عليه، فلن تنصفوه إلا من خلال نصوص الوحيَين (الكتاب والسُنّة)، بعيداً عن انتحال المبطلين و تحريف الغالين وتأويل الجاهلين، وكل ما خالفهما من آراء أو أعمال فهي مردودة على قائليها وفاعليها، لقوله [: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ» رواه مسلم.
فمثلاً: إذا تأملنا بعض آيات القتال، نرى مدى سماحة الإسلام حتى مع الكفار المستأمنين الذين لم يعلموا حقيقة الإسلام، حين يعطيهم الأمان ليكسبوا فرصة سماع التوحيد و كـــــلام الله (القرآن) وتدبره باطمئنان، ثم إن لم يسلموا، فأوصلوهــــم إلى ديارهــــم آمنين من غير غدر ولا خيانة، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ).
بل بلغ من كرم الإسلام وحسن تعامله مع الآخرين، أنه أمر بالإحسان والعدل مع المشركين المسالمين، قال تعالى: (لاّ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ).
أما أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب فهي أكبر من أن تُحصر، ولعل من أهمها، قوله صلى الله عليه وسلم حين أرسل جيشه : «انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملّة رسول الله: لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة... وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين» رواه أبو داود.
وهذه شهادات غير المسلمين ، تصف لنا سمو أخلاق الرسولصلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في الحرب ، من ذلك قول المستشرق الفرنسي (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): "ما رأى التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب" وأضاف: "إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم، كان (محمد صلى الله عليه وسلم ) من أعظم من عرفهم التاريخ". وعبّر عن دهشته من انتشار الإسلام فقال : "والسهولة العجيبة التي ينتشر بها القرآن في العالم شاملة للنظر تماماً، فالمسلم أينما مرّ ترك خلفه دينه".
البيت الحرام والمسجد الأقصى والحرم النبوي:
منبع السلام العالمي
ويأتي موسم الحج في هذه الأيام _من كل عام _ ليقدّم صورة بيضاء ناصعة لحقيقة الإسلام وما يحمله للعالم المضطرب من سلام وأمان، وليؤكد للناس جميعاً أنّ المسجد النبوي الشريف والبيت الحرام المقدّس ومعهما المسجد الأقصى المبارك هم منبع السلام والأمان والبركة للعالمين إلى يوم الدّين. قال تعالى في المسجد الحرام: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا). وتوعّد من أراده بسوء فقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
على المسلمين إذاً أن يعتزوا بدينهم ، ويرفعوا رايته ويحملوا رسالته للعالم، ولا يبالوا بأراجيف الأعداء، قال تعالى: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ). والحمد لله ربّ العالمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة