تـعــالـيـم النـبـوُّة... والــوعـيــد عـلـى التـفـرُّق
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن تفرُّقَكم... إنما ذلكم من الشيطان"! وهو حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد في مسنده (برقم 17736)، والإمام أبو داود في سننه (برقم 2628): في كتاب الجهاد، باب ما يؤمر من انضمام العسكر، والحافظ النَّسائي في السنن الكبرى (برقم 8805)، في كتاب السِّيَر، باب النهي عن التفرُّق...، وصحَّحه ابن حِبّان (برقم2690 ـ من الإحسان)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" 2: 115.
والحديث له قصة ذكرها الصحابي أبو ثَعْلبة الخُشَني فقال: كان الناسُ إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فعَسْكر تفرَّقوا عنه في الشِّعاب والأودية، فقام فيهم فقال: "إن تفرُّقكم في الشِّعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان". قال: فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا انضمّ بعضهم إلى بعض حتى إنك لتقول: لو بسطْتَ عليهم كِساءً لعمَّهم!
لغة الحديث ومعناه وفوائده
الشِّعاب: جمع شِعَْب وهو الوادي بين جبلين. والأودية: جمع وادٍ وهو معروف. قام فيهم: أي خطيباً موجِّهاً.
ومعنى الحديث: أن الصحابة كانوا إذا نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرهم في السفر أو الجهاد لم تكن عادتُهم الانضمام في مكان واحد حتى جاء هذا التوجيه النبوي، العميقُ المعنى البديعُ في دلالته الرمزية والتربوية، فبيّن عليه الصلاة والسلام أن التباعد والتفرّق ولو بالأبدان من إغواء الشيطان، يستثمره لبثّ وسوساته وإيهاماته! أعاذنا الله من شرِّه، بخلاف التضامّ فإنه يُشعر بالحرص على الوحدة والابتعاد عن أسباب وَحْشة القلوب. فأفاد الحديث: ذكاء النبي صلى الله عليه وسلم التربوي، واستثماره للفُرَص وعدم تفويتها، وتنفيره من التباعد والتفرُّق، وبيانه أن التفرّق حتى ولو كان بالأبدان ـ فضلاً عما إذا كان بسبب الأهواء وحظوظ النفس (وحبِّ الأنا) ـ هو من الشيطان، وما أروعَ وأعمقَ فقه الإمام الحسن البصري عندما سُئل عن ابن المُهَلّب بن أبي صُفْرة وكان مُعجباً بنفسه مغروراً غَرَّه جاهُ أبيه ومجدُه وكان قائداً بطلاً، فجُنّ بطلب الزعامة وأعلن الانفصال عن الدولة! فقيل للحسن رحمه الله: أخبِرْنا عن رجل لم يشهد فتنةَ ابن المهلَّب إلا أنه عاونه بلسانه ورضِيَ بقلبه؟ فقال: يا ابن أخي، كم يداً عَقَرَتْ الناقة ـ يقصِدُ ناقةَ ثمود ـ؟ فقال: يدٌ واحدة. فقال: (أليس قد هلك القومُ جميعاً برضاهم وتماليهم ـ من الممالأة ـ)! روى هذه القصة المليئة بالعِبَر بسنده الإمام أحمد بسنده في كتابه "الزُّهد": ص 288 ـ 289. ومن فوائد الحديث: سرعة استجابة الصحابة ورَوْعة مبالغتهم في تطبيق التوجيه النبوي، كما أفاد التأكيد على ألفة القلوب في ساحات الجهاد وهذه مناسبة لنصيحة المجاهدين والثوار بوجوب العمل على توحيد الصفوف وعلى الأقل تشكيل إعلان مجالس عسكرية مشتركة للتعاونُ.
وأختم بالتنويه بما كتبه العلاّمة الداعية محمد الراشد ـ ليُستفاد منه ـ بعنوان: زمرة القلب الواحد، في كتابه العوائق.
اللهم انفعنا بالعلم وزيِّنا بالخُلُق والصدق واجعلنا سبباً للائتلاف ووحدة الصف والوُدّ. آمين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن