أنتِ من أنتِ!
في جلسة ربما كان عنوانها: الشكوى من الأزواج، تحدثت النساء فقالت إحداهن: زوجي كان قاسيا وغليظا وبخيلا جدا، وحدث أن غضب بشدة في إحدى المرات من أحد أبنائنا فطرده من المنزل، و........
ومات الأب وتخرج الأبناء من الجامعات واشتغلوا وتزوجوا ونجحوا وما زالوا في بيوتهم وفي أعمالهم وعلاقاتهم وفي برهم بوالدتهم، بل حتى في شفاء قلوبهم من جهة والدهم، فما ذكروه إلا بالرحمة والدعاء ولم يبخلوا في إهدائه العمرة تلو العمرة والصدقة بعد الصدقة!
وقالت أخرى: زوجي متدين ويحافظ على الصلوات كلها في المسجد ونادرا ما يرفع صوته، لكنه متسلط الرأي علينا في المنزل، يعوّض ضعف شخصيته على الآخرين خارج المنزل.
والذي أعلمه أنا ولم تقله هي، أن معظم أبنائها لم يحالفهم النجاح في زواج أو عمل أو كليهما، وأعلم أيضا أنهم يؤدون واجباتهم نحو والدهم كفرض عليهم دون حب أو سعادة، بل هم دائمو الخلاف معه، دائمو التذمر منه في غيابه!
وثالثة قالت: أما زوجي فما زال يهمل في صلاته بعد كل تلك السنين، لكني لم أيأس. زوجي لا شأن له بالأولاد، لكني مواظبة على إقحامه في شؤونهم. زوجي مستواه التعليمي أقل مني بسنوات، لكني ما تأخرت أو تخاذلت يوما عن إثراء فكره بما أقرأ وأشاهد وأحلل.
ورابعة قالت: مع أن زوجي متعلم وكذلك أنا، إلا أنه عصبي المزاج دائما، لا يفقه في أمور التربية أبدا، ولدي الكبير يعيش خارج البيت وحده دون زوجة هربا من مشاكله مع والده، وابنتنا زوجناها لكنها طلقت سريعا، وولدنا الناجح هاجر خارج البلاد!!!
جلسة خرجت منها بالكثير من الفوائد والخبرات والقصص، ربطت الحكايا ببعضها، وقارنت بين الأمهات في تلك الأسر وغيرها، فخرجت بالمعادلة التالية:
أم حكيمة إيجابية = أبناء ناجحون في حياتهم وفي علاقاتهم
بغضّ النظر عن قوة الأب في أي مجال أو ضعفه؟
نعم، بغضّ النظر..
وهل العكس صحيح؟ أي هل تكون المعادلة صحيحة لو كان الأب مكان الأم؟
لا، فالأم هي المكوّن الذي لا غنى عنه في المعادلة!
الأم تعوّض نقص وعجز الأب وتجبر الكسر فينجح البيت والأبناء، والعكس ليس صحيحا.
وعليه، أقول لي ولكل أم: زوجك بخيل؟ قاس؟ غليظ؟ فقير؟ كثير السفر؟ ضعيف الشخصية؟ لا يفهم في التربية شيئا؟ غير مسؤول؟ هل زوجك مثقف؟ يعرف ما عليه وماله؟ حنون؟ كريم؟ يخاف الله فيكم؟......أيًّا كان وضعه!
فأنتِ الأهم صدّقيني!
أنتِ من سيجبر الكسر ويكمل النقص ويسدّ العجز ويصلح الخلل.
أنتِ من سيستعمل الحكمة ولأقصى حد في النّصح والتّصويب، أو التّشجيع والشّكر والتأييد.
أنت من سيدعم نفسيات الأبناء عند تصرفات أبيهم غير المدروسة، لأنك أنت من سيقول للولد: لا بأس، أبوك يحبك أكثر من نفسه، وما قسا عليك إلا لشدة خوفه عليك وحبه لك.. أنت رجل وشجاع، فلا تجعل كلمة قالها والدك في لحظة غضب أو سمعتها ربما من مدرس أو قريب تهزّ شخصيتك وثقتك بنفسك.. لا عليك حبيبي، انسَ والتفت لدراستك ونجاحك.. و في المقابل، لا تنس أن والدك يا بنيّ يعطيك ويشتري لك و.....و..... وأنتَ، أليس عليك خطأ في هذا الموقف؟ ما ضرّكَ لو سكتَّ؟ لسنا في معركة ولا مناظرة، ليقل والدك ما شاء الآن ويمكن أن نصحح الأمر في وقت لاحق.. ثم لماذا تطلب دائما أن يكون هو المبادر؟ لماذا لا تبادر أنت وتبدأ؟ لماذا لا تتودد إليه بهدية أو قبلة على اليد والرأس أو....
ثم بينك وبين زوجك أنت من سيعاتب ويصحح، مستعملة المفتاح المناسب لقلبه وعقله. وقد تختارين السكوت لو كان هو الأجدى.
وأنت من يعرف كيف يدير النقاش أمام الأبناء وفي وجودهم.
أنتِ الحنونة اللطيفة الودودة الرقيقة مع الزوج والأبناء مع تمسكك بحقك الماديّ والمعنويّ.
أنتِ اللينة الحازمة، الكريمة الممسكة، الرقيقة الشديدة.
أنتِ المُحِبّة بلا حدود، المُظهِرة لحبك قولا وفعلا لجميع أفراد العائلة، وأنت المكافِئة المشجعة في الغالب..
أنتِ الموجودة وقتما احتاجك الأبناء، موجودة كلك: عقلك وروحك وجسمك.
أنتِ الصابرة الحليمة السياسية الذكية الحكيمة..
إن كنتِ كذلك ألستِ معي أن زوجا سينصلح حاله ولو إلى حد؟ والأهم من ذلك هم هؤلاء الأبناء الذين نأتي بهم إلى الدنيا والذين ينبغي علينا أن نجاهد كي يكونوا أسوياء الشخصية، أسوياء الصحة والبدن، أسوياء النفسية، واثقين لينجحوا في أعمالهم وحياتهم وبيوتهم.
وليكونوا كذلك عليك أن تكوني أنت، ولِتكوني:
- فإن قراءة ورد يومي من القرآن يهدئ النفس ويزيل التوتر. ويمكنك أن تربطي هذا الورد بالصلوات فاقرئي صفحتين بعد كل صلاة، سيصبح المجموع عشر صفحات يوميا.
- استعمال الوصفة النبوية التي أوصى بها صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة الزهراء – رضي الله عنها – عندما اشتكت له التعب من كثرة الأشغال والأعباء، فنصحها بالتسبيح ثلاثا وثلاثين والحمد ثلاثا وثلاثين والتكبير أربعا وثلاثين.. ولقد جربتُها مرارا والنتيجة مذهلة!
- الصبر ونية الأجر، حتى لا يضيع تعبك عند الله.
- الصلاة في وقتها، تقرّبا لله وطلبا للراحة والهدوء والمزيد من التأمل واليوجا والأكسجين والصفاء والاسترخاء.
- عدم الخوف من المستقبل ولا تأنيب النفس كثيرا على ما فات من أخطاء.
- الاحتفال مع الزوج والأبناء وحدهم في المناسبات السعيدة: النجاح، العيد،.... من شأنه أن يسعد القلوب ويوثق الصّلات ويجعل الاحتفال خالصا من المظاهر والمجاملات المزعجة لو جعلناها من أجل الناس.
- اجعلي حب الزوج والأبناء عادتك وأسلوبك في التربية والتقويم.
- عّلمي أولادك حب والدهم وطاعته واحترامه وبرّه.
- علّميهم مهارات حل المشاكل، والتصرف في المواقف والمفاجآت، واحترمي آراءهم، وقدري مشاعرهم ولا تسخري منها أو تقللي من شأنها.
- كوني صاحبة شخصية قوية فعالة إيجابية تعرفين ما لك فتأخذينه وما عليك فتعطينه.
- اقرئي واقرئي في مجال تحبينه وفي التربية ومهارات التعامل والتواصل مع الزوج والأبناء والناس، وستجدين كيف أن القراءة تجدد نشاطك.
- اهتمي بغذائهم الصحي ولا تجعليهم يشتهون ما عند الجدة أو الخالة أو الجيران.
- لا تتعجبي إذا قلت لك: كوني دائما نظيفة أنيقة، لأن ذلك يقوّي من ثقة الأبناء بك ويزيدهم فخرا بك.
- عالجي كل المشاكل مستعملة ما يلزم من أدوات: الهدوء والحب والحزم واستشارة أهل الرأي والاستخارة والدعاء.
- الدعاء للأبناء كل يوم وتحصينهم وتركهم وديعة عند الله الذي لا تضيع ودائعه.
رحمك الله يا جدي، فما زلت أتذكر بعد سنوات طويلة وما زلت أروي أنك كنت يوميا قبل أن تنام تدعو بالرضى لجميع أبنائك مبتدئا بأكبرهم ومنتهيا بأصغرهم ، ولعلي أرى نتائج ذلك الرضى ماثلة بعد سنوات طويلة من وفاتك.
لا أقول: ليس على الأب دور، لكن إن قامت الأم بأدوارها سينصلح الزوج والأبناء، وليس العكس صحيحا - مرة أخرى -.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن