الخجل... مشكلة تستحق الاهتمام
في حياتنا الاجتماعية نجد بعض الأمهات تشكين من خجل أولادهنّ المفرط إلى حدٍ يمنعهم من ممارسة نشاطاتهم ضمن عالمهم الخاص ويفضلون الوحدة ويؤثرون الانزواء والتقوقع داخل ذواتهم، هذا الخجل ممكن أن يأخذ أشكالاً عدّة، فمن الأمهات من تشكو نشاط ابنها الزائد في المنزل فإذا ما قابل الناس من حوله ( برغم معرفته بهم) فإنه يلتصق بها حيث يتسم سلوكه بالهدوء الحذر، ومن الأمهات من تشكو إيثار ابنها الوحدة في داخل منزله فضلاً عن العالم الخارجي.. هؤلاء الأمهات يبدين قلقهنّ ويبحثن عن أنجع الطرق التربوية في علاج ظاهرة الخجل هذه، في حين نجد الكثير من الأمهات لا يتوقفن أبداً عند ذلك ولا يعرن للأمر أدنى اهتمام بل قد يزدن من تأصيل هذا المرض النفسي – السلوكي في شخصيات أبنائهن ّبأسلوبهنّ الخاطئ تربوياً. فنظراً لأهمية الموضوع ولضرورة الحرص على بناء شخصيات سوية واثقة في أبناء المسلمين نتعرض لهذا الموضوع من جميع جوانبه. فما هو الخجل؟ وما هي مظاهره؟ أين مواطن السَلب والإيجاب فيه؟ وكيف يتم علاجه؟ محاور مهمة يتعرض لها الأستاذ بسّام الطراس.
سهاد
الخجل هو حالة نفسية تصيب الإنسان الذي يشعر بضعف شخصيته، وبعدم قدرته على مواجهة الغرباء عن عالمه، وبرغبته الجامحة في الهروب من كل موقف يعتبره، بحسب منطقه، "موقفاً متأزماً". (1)
منشؤه الطفولة: ففي المرحلة الأولى من حياة الطفل ومع السنة الثالثة من عمره تبدأ هذه الحالة بالولادة والظهور.
وتختلف أشكال الخجل بين إنسان وآخر، ومن سنة إلى سنة فقد نسمع عن ألمع القادة العسكريين أنه خجول لا يستطيع دخول صالون لشدة خجله، وديكتاتور ظالم قد يتحوّل إلى فتىً خجول أمام من يحب (2)، وتلميذ قد يفشل في موقف أو في امتحان شفوي قد يتحول إلى كائن خجول يعجز عن المجاهرة بأفكاره.
وللخجل مظاهر متعددة من المشاعر والأوضاع الانفعالية التي تجعل التكيُف صعباً، فالخجول يحرص على البقاء في المؤخرة، ويفوِت على نفسه تهيئة فرص التقدم، ولأن الثقة تنقصه فهو يميل إلى تجنب الناس لعجزه عن مواجهتهم والتفاعل معهم.
والخجل من المظاهر والانفعالات التي تولِد اضطراب الفرد مما يؤدي إلى عدم تكيّفه الاجتماعي.
وهذه المظاهر لا تخفى على أحدﹴ منا فهي من الوضوح بمكان، ومنها:
1) خيانة الجسم لصاحبه: حيث احمرار الوجنتين، وارتجاف الركبتين، وخفقان القلب بسرعة، وتصبُب العرق وانكماش المعدة، وجفاف الفم والحلق واضطراب النطق واضطراب السمع أو طنين الأذن، والنسيان.
2) الانطواء والانزواء والابتعاد عن الناس.
3) المظاهر النفسية: حيث تتمثل في تشوّش التفكير، والاستسلام لآثار الخجل مما يلغي إدراك الفرد لما يحيط به ولما يعرض عليه، وتعطيل ردات الفعل والاستجابات لمثيرات المحيط، في حالة أشبه بالشلل، والذعر الذي يليه عادة الانسحاب من الموقف والذهول والقصور الجسدي والخوف. (3)
ويختلف الخجل باختلاف النفسيات والشخصيات فهناك الخجل العادي، والدائم، والعرضي، والكبير، والخجل الذي يلغي الشخصية ويبطل فعاليتها.(4)
أما أسباب الخجل فتختلف من إنسان لآخر، وما يكون سبباً في الصغر قد لا يكون في الكبر، إلا أن الجامع المشترك لدى الخجولين جميعاً هو "الاستعداد العاطفي أو الانفعالي الذي يظهر من خلال علاقة الفرد بالآخرين، وهو ما يمثّل اضطراباً وظيفياً يرتبط بكيمياء الغدد والجهاز العصبي، ويتجسّد في صورة عدم تكيُف مؤقت أو دائم". (5)
فضلاً عن أن الخجل يتميّز باختلاف أسبابه فهو يتميّز أيضاً بكثرتها، فمنها ما نساهم نحن – خاصة الأهل والمدرسة – في وجوده ومنها ما يكون نتيجة مواقف أو مقدّمات في شخصية الفرد نفسه، هذه الأسباب هي:
1- منع الطفل من الاختلاط بغيره من الأطفال.
2- الخلافات العائلية في المجتمع الواحد ( الأهل والأقارب).
3- عقدة الفوقية عند الأهل والأسرة (المحيط).
4- توبيخ الطفل وتقريعه باستمرار وأمام الملأ خاصة.
5- قمع الطفل ومنعه من التعبير عن آرائه الشخصية.
6- احتقار الأهل واستهزاؤهم بمشاعر الطفل الخجول.
7- حب الأهل المفرط مما يؤدّي إلى تدليل الطفل.
8- الخوف على الطفل والحماية المفرطة له.
9- عدم الاكتراث بمبادرات الطفل الفردية وإنجازاته الخاصة.
10- تحقيق الذات من قبل الأهل في أطفالهم؛ فما فاتهم يصرّون على تعويضه في أبنائهم.
11- عدم معرفة الأهل بخصائص مراحل نمو الطفل بحيث يطالبونه بما لا يطيق في فترة معينة أو يفرحون من تصرفﹴ منه بالرغم من بساطته.
ولعل من المهم التنويه إلى أن أبرز الأسباب وأخطرها هي الخلافات العائلية بصوت مرتفع وأمام الملأ.
يتضح مما سبق أن هذا المرض يؤدّي إلى خلل في التوازن العاطفي مما تنتج عنه سلبيات كثيرة تحدث خللاً كبيراً في شخصية الطفل قد يصاحبه حتى مراحل متقدمة من عمره ( أو قد يستغرق عمره كله بحسب درجته) إن لم نسارع في تدارك الأمر، فمن هذه السلبيات:
1) العجز الشخصي: من وهن وشكّ وخوف من الإخفاق.
2) الشعور بالدونية: مما يؤدّي إلى وجود عقدة عند الطفل.
3) الانتقام والعدوانية.
4) الكذب والمبالغة في الكلام الوهمي.
5) العوارض الجسدية مثل آلام الرأس، فقدان الطاقة الحركية (الخمول)، والتشنجات العضلية، والإصابة بالحمى، وغيرها سلبيات كثيرة..
أمام كل تلك السلبيات قد يستغرب البعض وجود إيجابيات للخجل منها:
- تعدد الهوايات: فهو بسبب ما فاته يبادر للتعويض عما نقصه، فيمتلك هوايات أخرى مثل الرسم والأشغال اليدوية والرياضة، والتمثيل ولعب الأدوار.
- التفوق في الدراسة وحب المطالعة، فبسبب الانعزال والتعويض عمّا قات عند الطفل تظهر إبداعاته الدراسية، ومن أكثر ما يحب المطالعة لأنها الأكثر ملاءمة لحالته.
- يروز الروح القيادية لديه: فالخجولون غالباً ما يصبحوا قياديين في مجتمعاتهم خاصة إن سنحت لهم الفرص.
ولكي نخرج بفائدة من موضوعنا هذا نتعرف على أهم الوسائل العلاجية لمشكلة الخجل:
· دور الأهل:
الأهل هم الأقدر على حلّ مشكلة الخجل وهم بحبهم وحنانهم وعطفهم يساهمون مساهمة فعّالة في ذلك، وترجمة الحب والحنان لا بد أن تكون في حسن الرعاية والتفهُم والإحاطة والتقدير والتشجيع.
وعلى الأهل وغيرهم أن يعلموا أن مشكلة الخجل بحاجة إلى أناة وصبر حيث إنها عملية تراكمية مبنية على تصرفات متجانسة في مراحل زمنية متباينة، ومن الأمور المهمة لحلّ المشكلة:
1) معرفة أسباب الخجل.
2) ملاحظة ظواهر الخجل.
3) الصبر والمثابرة في حل المشكلة.
4) الحوار والنقاش والمرح مع الخجول مما يكسبه علاقات اجتماعية مميزة، ويعينه على تطوير ثقته بنفسه، ويكسبه أيضاً مهارات جديدة في التعامل مع الآخرين.
5) تجنب الاستهزاء بالطفل واحترام تصرفاته وإكبارها في أعين الحاضرين وتحاشي تعييره بخجله.
6) شرح الموقف الذي سيواجهه الطفل بعد فترة.
7) تطمينه بأنهم بجانبه وفي صفّه دائماً والسماح له بالتعبير عن رأيه بحرية.
8) عدم فرض أيّ موقف على الطفل خاصة فيما يخجله.
9) تعويده على النطق بهدوء وإكسابه مفردات سهلة للاستعمال.
10) حثّه على الخروج من عزلته وإيجاد أصحاب له من أقرانه، فإن علماء النفس يرون أن المجتمع الذي يعين الطفل الخجول ويكسبه الثقة هو المجتمع الذي يؤلفه عالم طفولته الأولى ( الأم والأب والإخوة والأقارب).
11) دعوته للاختلاط بالضيوف دون إجباره على التحدث إليهم.
12) إخراجه إلى الفلاة ( غابة – شاطئ) ليرفع صوته ويصرخ ويعبّر عن مشاعره.
13) تجنب ما يذكّره بمواقفه السابقة المخجلة.
14) تنمية المواهب الفنية والرياضية لدى الطفل الخجول للتعويض عمّا فاته.
15) تشجيع الطفل على الانتماء إلى جمعيات كشفية ونوادﹴ رياضية، والمشاركة معه في ألعاب عائلية.
وختاماً فإن الأهل والمدرسة والكل معنيون بمعالجة هذه المشكلة وإن عجز هؤلاء وبقيت مشكلة الخجل فمن الواجب عرض الطفل الخجول على أخصائي للمساهمة في حلّ مشكلته. (6)
· هوامش
1-
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة