دعيها فإنها مُنتِنَة!
تعرّفَتْ عليه وتجاذبا أطراف الحديث.. ثم تطوّر هذا التعارف بعد محادثات طويلة بكل وسائل الإتصال السلكي واللاسلكي وبالتناغم مع أوتار القلب إلى انسجام عاطفي حتى وقع المقدور ونشأت علاقة حب عاصف بينهما.. وهذه وإن كانت نتيجة طبيعية للإحتكاك المتواصل بين الشاب والفتاة إلا أنه خطِر جداً لأن الرّان لن يكون فقط على قلبها بل على عقلها وفكرها واتّزانها وكل المساحات التي يمكنها الدخول إليها لتفكر! إذ تستولي العواطف على كل مَلَكات العقل ويصبح أخذ القرار السليم من المعجزات النادرة..
أشفقت عليها حين رأيتها ترمي بنفسها في التهلكة وهي بعدُ شابة لا تدرك من الحياة إلا القليل..
وبالرغم من تدخّل أصحاب الرأي في عائلتها إلا أنها أصرّت على الخطوبة التي تلاها عقد القران بأيام قلائل ليس حرصاً على الدين والأحكام الشرعية بقدر ما هو إسراع لسببٍ أو لآخر كالسفر مثلاً.. أو ربما إسراع من طرفه
قبل أن تفيق هي من سكرتها!!
كان الوضع كأنني أنظر إلى فيلم سينمائيّ قديم رأيته لعدّة مرات حتى بتّ أحفظ كل تفاصيله.. يُقبِل الشاب على
علاقةٍ تؤمِّن له بعض طموحاته ـ غالباً المادية ـ وتقع الفتاة فريسة سهلة نتيجة عدم خبرتها ومشاعرها الغضّة فتخال أنه فارسها المنتظر وأنها ستحيا معه سعادتَي الدنيا والآخرة!
وقد يسقط الشاب في حفرةٍ تُظهر عورة مراده ولكن الفتاة وإن انكشف عن بصيرتها فرأت زيف حبه وأحسّت أنّ هناك ما يدور في فلك هذا الشاب إلا أنه سرعان ما يستطيع تبديد هذه المخاوف بباقة ورد وكلمتَي
حب لعاشقٍ ولهان! فتذوب الفتاة عشقاً وتنسى كل ما جرى وكان.. وتعود لتعيش أروع أسطورة حب ـ في خيالها ـ
ستنتهي ربما بعد أول شهر من الزواج حين يذوب الثلج ويظهر الطين! وقد لا يستطيع هذا الشاب أن يُخفي سوءاته طويلاً فيسقط القناع وتظهر الحقائق.. وتنهار الفتاة ولكنها لا تستطيع أن تأخذ قرار الفراق القاسي!
فكيف تترك خطيبها ولم يمر أشهر على ارتباطها به وما زال أثر الحفلات والهدايا والتبريكات في خَلَدِها؟!
وكيف ستنظر في عيون رفيقاتها، أهلها، ساكني محيطها؟!
ماذا ستقول لهم؟ كيف ستهرب من تعليقاتهم ونظراتهم المشفِقة؟!
كيف ستتخلّى عن كل الأحلام التي بنتها في الليالي الأولى؟ وكيف ستتخلّى عن لذة العواطف الملتهبة وسماع الكلام المعسول وهي لم تصدّق أنها حصلت عليها؟!
كيف ستعاود العيش متظاهرة أن شيئاً لم يحدث وأن كل ما حصل معها مجرد سراب ووَهْم تبدّد؟!
أسئلة كثيرة يمكن أن تتدافع في رأس هذه العروس الفتاة التي لم تكتمل فرحتها لتصل ليوم الفرحة الكبرى حين تكلل شعرها بطرحة بيضاء هي حلم كل فتاة مذ تعي على هذه الدنيا!
فتراها تحجم عن أخذ القرار بالانفصال خوفاً من كل ما يدور في رأسها ومن المعايرة والعودة إلى الجفاف العاطفي الذي كانت تعيش فيه..
ولكنها لا تدري أن ما يجعلها تصبر على أخطائه الآن من مشاعر وأحاسيس لن تبقى بنفس درجة الحرارة فيما بعد حين يتعوّدان على بعضهما البعض في بيتهما وبعد مرور فترة على زواجهما.. وهي لا تعلم أن المجهر سيعمل عمله بعد الزواج وستظهر مساوئ وسيئات لم تكن ظاهرة ولربما لن تطيق التعايش معها.. وستذكر كل حركة
وكل سكنَة كانت تراها في أيام الخطوبة وتتغاضى عنها حتى تستمر!
وهي لا تعي أن مقولة “تركَتْ خطيبها” هي أسهل مليون مرة من كلمة “مطلّقة” في مجتمع لا يدين بالإسلام
ولا برقيّ التعاليم فيه.. بل هو مجتمع شرقي ليس فيه أدنى اعتبار لمشاعر المرأة المحطّمة ولأجنحتها المتكسرة جراء الطلاق فيحمّلها نتائجه كاملة ويزيد من تحطيمها ودفعها للإنزواء..
وقد تنخدع الفتاة بوَهمٍ آخر هو وَهم التغيير.. فتخال أنها تستطيع تغيير خطيبها وأنها قادرة على تعديل بعض سلوكياته أو أفكاره أو طموحاته.. وأنه سيُنصِتُ لها لأنه يحبها.. وحتى لو وعدها فعلياً بالتغيير في فترة الخطوبة فيكون ذلك لأنه يريد الوصول إليها بأي طريقة.. وهذا الوَهم هو فرقعة لا تلبث أن تتبخّر عند أول خطوة في بيت الزوجية لأن الرجل لا يتغيّر لأجل امرأة خاصة في مجتمعاتنا الشرقية حيث يؤمِن بالقَوامة والخيرية والتميّز عن المرأة.. وفي كل الأحوال فلا يمكن أن يتغيّر شخص ما إلا أن يكون عنده القناعة الكاملة بهذا التغيير
والإرادة والعزم الأكيد على تعديل بعض سلوكياته أو أخلاقه فالأمر ليس بمستحيل “إنْ” وُجِدَت الدوافع الإيمانية والفكرية للتغيير ومع ذلك فالأمر صعب للغاية.. فلا تخدع الفتاة نفسها بأنها ستسيطر على الوضع وسيتم التغيير
بعد الزواج لأنه لن يحصل شيء مما تحلم به أو فلنقل إن النسبة ضئيلة جداً جداً وحياتها ستكون في دائرة المخاطرة!..
وفي المقابل، فإنّ الخوف من الأهل ومواقفهم السلبية من فض الخطوبة ليس بسببٍ معتبرٍ لعدم الإقدام على خطوة ترك الخطيب إن لم تجده الفتاة مناسباً بعد الخطوبة.. فالمفروض أن الأهل يريدون السعادة لابنتهم وهم وإن تضايقوا في بادئ الأمر من هذه البلبلة إلا أنهم سيعتادون على الفكرة فيما بعد ويدركون أن إكمال الطريق غير المعبّد
سيورِد ابنتهم المهالك.. وسيرضخون مع الوقت لقرار ابنتهم الصائب.. وإلا يفعلوا فهذه مشكلتهم وليس
من الطبيعي أن تدفع الفتاة كل حياتها نتيجة اختيار سيئ!! ويمكن للفتاة الاستعانة بمَن يثقون بهم ولهم تأثير على الأهل إن لم تستطع أن تصل معهم إلى تفاهم في حوار تعرض عليهم فيه كل النقاط التي تخيفها من هذا الزواج..
أما المعايرة من المحيطين بالفتاة بأنها كانت مخطوبة وتركت فهذا لا يجب أن تأخذه الفتاة في الإعتبار لأنها في نهاية المطاف هي من ستتخبط في المشاكل الزوجية.. والأقاويل كثيرة والناس اعتادت على الكلام ولا داعي نهائياً من أخذ هذه الترّهات بعين الاعتبار..
والخوف من عدم الحصول على خاطب آخر إن كانت الفتاة قد مرّت بتجربة خطوبة فاشلة من قبل فهي إن كان مقدَّراً لها الزواج فستتزوج بإذن ربها جل وعلا..
وتبقى القضية الشائكة حين يكون الأهل على دراية كاملة من عدم أهلية هذا الشاب للزواج بابنتهم ويطرحون كل الأوراق أمامها ويضعونها في الصورة كاملة ولكنها تتشبّث به فهنا لا يبقى إلا ان تدخل هذه الفتاة في متاهة
لن تخرج منها إلا محطّمة منكسرة!
وكل ما قد سقته من كلام ينطبق أيضاً على شاب قد يكون صادقاً وطاهراً ولكن بالرغم من ذلك فقد تكتشف الفتاة بعد الخطوبة أنه لا يناسب شخصيتها وأنهما مختلفان جداً عن بعضهما البعض من جهة التفكير والطموحات والأهداف فتخشى تركه لأنه “عريس لقطة” ولا يُفوَّت! فماذا تريد أكثر من شاب بهذه المقوّمات؟! وهنا تدخل الفتاة في متاهةٍ كبرى بين الاستمرار والترك في الوقت الذي عليها أن تأخذ قراراً حاسماً ينجيها من عذاب طويل!
ولا أدري لِم لا نتعلّم من أخطاء من سبقونا.. ولِم لا نأخذ بآراء مَن خبروا الحياة وعاركوها.. ونُصِرّ دائمًا ألا نتعلّم حتى نكتوي ونحترق! حينها نشهد أنّ ما قيل حق.. وأننا أخطأنا.. ولكن يكون ذلك بعد فوات الأوان.. واحتراق أوراق العمُر!
أخيتي.. نعيش العمر مرة واحدة.. فإمّا أن نختار المضيّ فيه بصحبة تليق وتستحق.. وإمّا فلنمضي من دونها..
تحرّي اختيارك.. وعلّقي مشاعرك لفترة وأشغلي عقلك.. فإن لم يكن هذا الخاطب صالحاً لإسعادك فاتركيه.. والله يخلف لك خيراً ويعوّضك بأفضل منه بإذنه..
لِمَ تصرّين على الوقوع في نفس الحفرة التي وقع فيها أخوات لك؟ ألا تستحقين الأفضل؟!
دعي هذه الخطوبة.. فإنّها والله منتنة!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن