د.غنى عيواظة: دكتوراه في الفقه المقارن، محاضِرة جامعيّة شاركت في العديد من المؤتمرات الدّوليّة والنّدوات.
الشذوذ الجنسي.
ينشغل العالم دوما بأخبار ومشاكل الغرب وما يصدر عنها من قرارات نتيجة الصراع بين العقل والشهوات.
ويتم تصدير هذه الأفكار باستمرار إلى المجتمعات العربية والإسلامية على أنها معلبات جاهزة للتناول دون عبء التصنيع والتوزيع.
ولكن المتفكر في حقيقتها، المتبصر بمكوناتها، والمتمسك بدينه يراها منتهية الصلاحية، حتى ولو كانت حديثة تاريخ الإنتاج، بل تحمل من الفيروسات الفكرية والملوثات البدنية ما يكفي لإبادة أمم ومجتمعات وأسر.
عن الشذوذ الجنسي أتكلم.
ومهما حاولوا من تهذيب العبارة لتقبل وسماع ما ترمي إليه، كما سمي الخمر المحرم بمسميات مغايرة له عله يلقى قبولا بتغيير اسمه، فإن هذا الزيف الحاصل لا ينطلي إلا على السذج، وربما على من يريدون للأسرة المزيد من ضياع هويتها بترك وطنها الأصلي في التشريعات السماوية، فلا نر حتى في اختلاف العقائد أن هناك من جعل الآلهة إله وإله، أو إلهة وإلهة لمحاكاتهم العقل والمنطق.
وفي شريعة الإسلام نجد قول الله سبحانه حين وصف ذاته العليّة فقال عز من قائل:
{بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَة} (الأنعام:١٠١)
الله سبحانه وتعالى يقول عن نفسه، وهو الإله العظيم، أن كيف سيكون له ولد ولم يكن له صاحبة أي زوجة، وليس صاحب زوج، ثمّ يأتي الخلق ليحدّثونا عن المثليّة والشّذوذ ضاربين عقولنا بعرض الحائط، وأنها من الشهوات الطبيعية الغريزية التي ينبغي تسكينها بالطرق التي تطلبها هي، حتى ولو كانت منحرفة .
إن الله سبحانه حين خلق النفس البشرية نظم لها أمورها خير تنظيم لأنه يعلم بالشهوات التي أودعها إياها، مع العقل، فلم يترك لها حرية تقرير مصير النفس لغلبة أحدهما على الآخر باختلاف المخلوقات.
فترى رسولنا الكريم عليه الصّلاة والسّلام قد حض على الزواج في السنة النبوية، كي لا يترك للعقل مسيرة الإنسان وانشغاله بأعباء الحياة، وغفلته عن شهواته الفطرية المباحة ، فقال عليه الصلاة والسلام:
" تَناكحوا تَناسلوا أُباهي بكم الأممَ يومَ القيامةِ" .
أما عن الوجبات الجاهزة السريعة في العلاقات الجنسية، والمضرة كما نعرفها اليوم، فليس مسموح بها في شرع الإسلام، لا للمشقة على الخلق، بل لضمان تيسير حياتهم فيما خص ضبط الشهوات والتحكم بها وحسن التعويد وانتقاء محامد الأخلاق وعلياء الأمور لا سفاسفها، فعالج ذلك رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بقوله :
"يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
وأن تقول الأمّ لابنها الجائع بقي نصف ساعة على تحضير وجبة الغذاء الصّحّيّة والشّهيّة، فانتظر خير لك من تناول سندويش سريع غير مغذٍّ لتكسر جوعك، وقد يسدّ الشّهيّة لاحقًا فتشبع منه ولا يفي بحاجة جسمك، ولا يسكن جوع البطن ولا يهدّئ النّفس، فاصبر قليلًا واحسب نفسك صائمًا.
هذا بعين العقلاء والتّربويّين ميزان يدلّ على العقل والحكمة وتعويد الصّبر وحسن التّوجيه.
فلماذا إذًا نسمح ونطرح اليوم علاقات ما قبل الزّواج بحجّة تسكين الشّهوة وإشباع الرّغبات، وأنّ هذا جسده وهو حرّ به يفعل ما يشاء.
أليس الجائع هذه معدته أيضًا وهو حرّ بها!
ألم نستنكر عدم صبره وأخذ السّريع ممّا توفّر أمامه بحجّة تلبية رغبته المتوهّجة الآنيّة!
بل إنّ تناول الطّعام يفوّت الوجبة الصّحّيّة ولا يخلّف إثمًا، وتناول العلاقات المباحة قبل الزّواج يسكت حاجة الجسم حاليًّا ويورّث ذنبًا في الصّحيفة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "وفي بُضْع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وِزْرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ".
وإلى دعاة الشّذوذ الجنسيّ أقول:
ماذا لو خلق الله في الجنّة آدم وآدم أو حوّاء وحوّاء؟
طبعًا التّكرار يفيد الملل لاكتشاف العنصر الأوّل آدم أو حواء، فلا داعي لاكتشاف ما تكرّر منه، ولسأل البشر ما الحكمة من خلق الله في الجنّة زوجين مكرّرين؟
فما الحكمة إذًا من أنّ البشر يريدون مناقشة طبيعة الزّواج؟
فلو أراد الله لهذا الطّرح ( الشّذوذ ) أن يسري في الكون لجعل لبعض الرّجال رحمًا في جسدهم ليتمكّنوا من الحمل والإنجاب، وما تتمّ به رضاعة المولود لاحقًا، ولجعل لبعض النّساء خلقًا يشبه الرّجل، ثمّ ترك الخيار متاحًا لكلّ من أراد الارتباط بالجنس الآخر أو بالجنس نفسه.
نحن نرى في خلق الله الخنثى وقفةً للأطبّاء وتحاليل لتحديد الميل في الهرمونات والجسد لأيّ الجنسين أكثر، ليحدّدوا طبيعة العمليّة المنوي إجراؤها، فكيف والهرمونات صريحة واضحة بالذّكوريّة أو الأنثويّة؟
ولو كان قد غيّر كتاب مقدّس من قبل، ويمكن تغييره، فالقرآن الكريم لا يستطيع أحد تغييره، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
وفي دستورنا وكتابنا تكريس للنّسويّة الإسلاميّة غير الدّاعية لجعل المجتمع نساءً بلا رجال، كيف لا وعندنا سورة النّساء، وسورة مريم، وسورة المجادلة، وغيرها!
وقد ذمّ القرآن الكريم قوم النّبيّ لوط عليه السّلام بأفعالهم، وكان ذلك قبل اليهوديّة والنّصرانيّة، بل قبل العلمانيّة واللّيبراليّة.
فهل سيذمّ الله سبحانه أمرًا ثمّ يبيحه لمن جاؤوا بعد قوم لوط؟
ومن يعترض على هذه الأحكام ما عليه إلا الاعتراض على الخالق، وليسعوا، والعياذ بالله، لتغيير في أحكام الخالق والتّحكّم بمشيئته، فإن عجزوا، وسيعجزون، فخاب مسعاهم.
- خطاب للعقول:
فرضيّة ونتصوّرها كما يلي:
يأتي ملايين البشر على سطح الأرض، يأكلون ويشربون ويتناسلون، ويقضون رغباتهم وشهواتهم، ويتعاركون بين حلو الحياة ومرّها، ثمّ يمضون إلى الموت وتنتهي قصّتهم هنا.
لكلّ عاقل متبصّر يقرأ هذه النّظريّة يسأل نفسه: هل ثمّة مغزى واضح من هذه الحياة المذكورة؟
وهل هدف إرساء قواعد لهكذا تقسيمات دنيويّة تحمل في طيّاتها ملامح خير للإنسانيّة؟
فبماذا فرقت البشريّة عن غيرها من المخلوقات التي تأتي تأكل وتشرب وتتناسل وتتكاثر وتتعارك في ظروف الحياة وتمضي؟
إنّ الفارق الواضح هو تلك الرّسالة السامية التي حملها الإنسان عند خلقه وهي أمانة الدّين، قال تعالى:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب:٧٢).
ومن هنا يتضح أن ما ترمي إليه الأمم المتحدة والمواثيق الدولية عند تجريد البشرية من عنصر الدين وفتح أبواب تشريع الأفراد لأنفسهم أمور دنياهم ونوعهم الجسدي وسوى ذلك ما هو إلا ادعاء باطل وتوجيه استخفافي لعقول الناس، تخبطت هي به سابقًا في الغرب فأبت إلا وإسقاط الكارثة على أبناء المسلمين بتربيتها لأبنائهم وفق معتقداتها، مع أن أحدًا منهم لا يرضى أن يربي أبناءه غيره، فدَعوا لنا أبناءنا ولكم أبناؤكم.
وإن تربية الأولاد للأمّ وليس للأمم المتّحدة!
فهل يقبل رئيس الأمم المتّحدة أن يأتي من يربّي له أولاده؟
وكذا نحن المسلمون، شريعتنا تربّينا وديننا يحيينا.
- دعوى أن الشاذين فئة مستضعفة علينا مراعاتهم ودمجهم معنا:
إن الإسلام دين يراعي خصوصيّة الحالة، هو دين رحمة لا قهر ونبذ، وله حدوده فيما خصّ الشّذوذ عن الحقّ والفطرة، وإن احتكم الآخرون للعلم، نحتكم إليه، وحاشاه يخالف فطرة خلقة الله للبشر.
إننا نجد في الفقه الإسلاميّ أن من كان صاحب عذر أو عنده حالة مختلفة عن المعتاد كالسّفر، فمثل هؤلاء رقَبَهم الشّرع ولم يغفل عنهم، فجعل للسّفر قصر الصّلاة وجمعها، وجعل لصاحب العذر الصّلاة مع استمرار الحدث بعد إسباغ الوضوء لانقطاع شرط الطّهارة والتّمكّن الكامل منها.
وحكم المريض في الصّوم، القول الفاصل فيه للطّبيب الثّقة المسلم إن قال بأنّ الصّوم يضرّه يفطر، فإطلاق الحكم في الشّرع له أهله كما جاء في الآية الكريمة: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، الخبير بأحوال من يعاين، وأيّ خبير سيفيدنا حتمًا، في تخصّصه ووفق معلوماته وظروف الحالة وملابساتها، عن الحكم الملائم.
وقد أجمل الشّرع الكلام عن الكثير من الحالات، وترك التّفصيل في كلّ منها على حدة لأهل الاختصاص في كلّ وضع مختلف.
وكذا أصحاب الشّذوذ الجنسيّ اليوم، إن كان لهم حالة خاصّة، فالحكم فيهم لأهل الاختصاص من الأطبّاء والمعالجين النّفسيّين من أهل الثّقة، مع أن الحكم عندنا هو لله سبحانه أولًا، ولكن الرد العلمي عليهم كما أرادوه علميًّا، لن يأتي أبدًا مخالفًا لحكم الله سبحانه، وقد قال عز من قائل : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ} ( الملك:١٤).
فما بتُّوا فيه من توجيه في معاملتهم يلتزم به المسلمون:
إن قالوا بدمجهم ندمج
وإن قالوا بمعالجتهم نعالج
وإن قالوا باعتزالهم نعتزل
فلكلّ أمّة كتاب، وللأمم المتّحدة مواثيق لا نثق بها.
- إذا قدّر الله ورزقك ولدًا عنده حالة صحّيّة خاصّة، فعلى العائلة التّقبّل والرّضا والتّعامل وفقًا لهذه الحالة، فتتغيّر في تعاطيها وشؤونها لمسايرة الوضع.
أمّا حينما يختار أحد أفراد الأسرة الدّلال والفساد والانحراف، فليس للعائلة أن تتماشى مع هذا النّمط ولا أن تغيّر مبادئها للتّفاهم معه بل تقوّمه، أو تحاول الحدّ من تطاول شروره على الآخرين بما تستطيع.
وفي ميثاق الأمم المتّحدة يطالبون باحتضان هذه الفئة الشاذّة، وأنّه على المجتمع أن يتغيّر ويتقبّل الشاذّين بينهم، أولو كان الأمر اختياريًّا لهؤلاء الشاذين، وليس أمرا خلقيا لأقول حينها تقبّل ولا تقوّم .
- تقول الكاتبة الفرنسيّة سيمون دي بوفوار:
"الإنسان لا يولد امرأة بل تصبح امرأة!"
وقد لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، "المتشبّهات من النّساء بالرّجال، والمتشبّهين من الرّجال بالنّساء".
- ودعت النّسوية الجنادريّة إلى أن يمارس الشّذوذ مع عدم الخوف من ذلك والتّقيّد به!
والله سبحانه وتعالى يقول:
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ( الرحمن:٤٦).
ويقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام :
" من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إنّ سلعة الله غالية ألا إنّ سلعة الله الجنّة".
- تناقض في مواثيق الأمم المتّحدة عن الشّذوذ الجنسيّ.
قالوا في مصطلح الجندرة هو ترك الفرد يختار جنسه بنفسه فيما بعد بما يريد ويرغب!
وهذا أكبر دليل منهم، نطقوا به بأنّ الشّذوذ أمر اختياريّ من الفرد، وليس أمرًا مردّه خلل في الجينات والهرمونات.
إن ما يشهده العالم اليوم هو حرب فكرية تدميرية لما تبقى من الفطرة السليمة، وهو إسقاط للدور الذي سيقوم به إبليس يوم القيامة حين يتبرأ ممن دعاهم للضلال فضلوا وتخلى عنهم ، في قول الله سبحانه: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ( إبراهيم:٢٢).
وحسبنا في أهمّيّة الأسرة قول الله سبحانه :
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (الطّور:٢١). فأهل الجنّة يقرّون عينًا بأولادهم، ليزدادوا نعيمًا في الجنّة بحسن التّربية على الإيمان والأخلاق، وأهل الدّنيا أرادوا لتلك الأسرة البوار والضّياع والتّفكّك مرتدين ثوب الخديعة المنمّقة.
فحبذا تستيقظ البشرية لتعرف فساد الماء الذي تنهل منه وترتوي.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة