(الثورة) بأعمق معانيها في شهر الصيام
ها هو رمضان يُطل علينا هذا العام... عام الثورات التي اشتعلت في أكثر من بلد عربي ولا تزال مشتعلة في بلدان عدة والمسلمون ينتظرون بصبر لوصول القطار... قطار التغيير... إلى محطته الأخيرة. وبما أن رمضان نفسَه (ثورة) - وهو التعبير الذي استعمله الأديب الكبير فارس القلم مصطفى صادق الرافعي صاحب الكتاب الفذ «وحي القلم» في إحدى مقالاته الرائعة فيه المُعَنْوَنة (شهرٌ للثورة... فلسفة الصيام) - فلا بد أن تتحقق فينا (معاني الثورة) أولاً قبل أن ننتظر تحقّق (أهداف الثورات) في كل بلداننا في الجوانب السياسية والاجتماعية.
فرمضان ثورة على النزعة الفرعونية داخل كل إنسان... لأنه بعبادة (الصيام) تتحقق معاني العبودية لله والافتقار والذلّة لكبريائه وعظمته، واستحالة الاستغناء عن فضله ورحمته، وقيُّوميّته وتدبيره... فتتطامن النفس وتنكسر النزعة الفرعونية التي تتجلى بالتمرُّد والتكبُّر والطغيان، وصدق الله العظيم: {إنّ الإنسانَ لَيَطغَى. أنْ رَآهُ استَغْنى}.
وثورة على الشهوات... ففي (رمضان) يتعوّد الإنسان على كبح جِماح شهواته والتحكُّم بهَيَجانها والارتقاء بالجانب الروحي الذي يُعطي للمؤمن الفرادة الإنسانية، ويتدرّب على تسكين الغرائز الشهوانية لينجح في الإمساك بها والتحكُّم بمطالبها - وليس لكَبْتها - فتكون بهذه الإدارة الصارمة لها كما أرادها الله أن تكون سبباً لسعادة الإنسان وانتظام الحياة والعمران... وفي الحديث القدسي الصحيح يقول الله مبيّناً سبب اختصاص عبادة الصيام بأنها له سبحانه: «يترك طعامه وشرابه وشهوته لأجلي» ما يُدل على هذا البُعد الرائع.
ثورة على (الأنا) إذ إن الإنسان من دون (تقوى الله) يعظُمُ عنده (حب الأنا) وتدور حياته واهتماماته وأحاديثه حولها: إعجاباً وزُهوّاً وافتخاراً واستئثاراً، فتَصيرُ ذاته محور حياته... ونفسُه مُرتَكز تفكيره... ويرفض من ينصحه... ولا يقبل انتقاد من ينتقده... شديد الإعجاب بنفسه... يقرِّب المعجبين به وممتدحيه... ويباعد منتقديه ولو لخيره وناصحيه! وإذا فهمنا مقاصد الصيام وأهداف العديد من العبادات في رمضان فسنجد أنها من أجل أن تربي فينا الإحسان والشعور بالآخرين والتألم لآلام المحرومين والجائعين, ومن أجل أن نثور على (الأنا) ونجاهد (حظوظ النفس) وما أروع تعبير (هضم النفس) في تراثنا التربوي، ونربي أنفسنا على التواضع وعلى الاهتمامات الكبرى وعلى الفرح للآخرين وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أحب الأعمال إلى الله: «سرورٌ تدخله على قلب مسلم: تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَيْناً، أو تطرد عنه جوعاً...» وكلها من ميادين الإحسان إلى إخواننا المؤمنين في شهر رمضان... شهر الخير والبِرّ والإحسان. وبعد... فهل تنتصر (الثورات) في ذواتنا حتى يَعظُمَ رجاؤُنا بانتصارها في مياديننا... على الظالمين الذين أذلّونا، والطواغيت الذين تحكَّموا بمقدَّرات بلادنا ونهبونا، والمجرمين الذين عاثوا فساداً في أراضينا؟! اللهم انصرنا على ذواتنا وعجِّل خلاص المسلمين من نِير الطواغيت في بلادنا, وتقبّل صيامنا واستجب دعواتنا وارحم شهداءنا وفرِّج كروب أمتنا، أنت ربُّنا وأرحم بنا من أنفسناl
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن