ما أهم صفات الداعية؟
الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر واجب على كل مسلم ومسلمة، والدِّين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث صحيح: ((بلِّغوا عني ولو آية))، ورُوي: ((ما اجتمَع قوم في بيت مِن بُيوت الله يَذكرونه ويتلون آياته إلا غشيتْهم الرحمة وتنزَّلت عليهم الملائكة، وذكَرَهم الله فيمَن عنده))، أي إن مجالس العلم والدعوة إلى الله وتبادُل الآيات والأحاديث من الأشياء التي حبَّذها الإسلام ودعا إليها، ووعد بالأجر الجزيل لفاعِلِها، ولكن هل يستطيع كل فرد - بناءً على هذا - أن يُدير حلقة ويقود مجموعة ويُصبِحَ داعية إلى الله؟
بالطبع لا يستطيع، وأعلم أنكم ستسألون: لماذا لا يستطيع والمُقدِّمة التي قدمتُها تُخالف - بطريقة أو بأخرى - النتيجة التي وصلتُ إليها؟
إنه لا يستطيع لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر يَختلِف عن الدعوة إلى الله، (وكذلك النصيحة وتبليغ آية)، فالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تَذكِرة سريعة وتنبيه صغير يُقدِّمه أخ مسلم إلى أخيه حين يراه وقَعَ في حرام لا لبسَ في حرمته، أو تقاعَسَ عن معروف لا شكَّ في فرضيته، فهو لا يَحتاج إلى عِلم واسع، وكل مُسلِم عرَف الإسلام حقًّا يستطيع أن يأمُر ويَنهى، والأمر والنهي يكونان في أمر جليٍّ مُحدَّد، أما الدعوة إلى الله فإنها أدقُّ مِن ذلك وأعمق، وهي مسؤولية أكبر وأعظم، وتَحتاج إلى تمكُّن في الدين وإلى علم واسع، وإلى جرأة في الحق وإلى قوة في الشخصية، وفي طريقة الطرح، فهل يملك كل إنسان أو كل داعية - مِن دعاة اليوم - هذه المُقوِّمات؟
بالطبع لا يَملِكها، ولكن أكثر الناس لا يُعطون هذه المقوِّمات حقَّها، وكل فرد تعلَّم آيتين وحديثَين يظنُّ في نفسه القدرة على الدعوة، ويتحيَّن الفرص لإتحافنا بكلامه، وحين نَجتمِع في زيارة عادية أو في عرس أو في تعزية ونَنغمِس في الحديث نفاجأ بإحدى الأخوات تقطع علينا ما نحن فيه من شغل وتتصدَّر للوعظ، وبلا مُقدِّمات تتوسَّط الحاضرات وتبدأ بإلقاء درس على الجالسات وتُحرِّم ما أحلَّ الله وتُفتي على هواها، وتتلو الآيات القرآنية بطريقة خاطئة، وتستشهد بالأحاديث الضعيفة والمنسوخة، وبعد مدة وجيزة نَجدها وقد امتهنَت الدعوة إلى الله، وأصبحَ لها دروس ومُريدات يَحرِصن على سماعها، ويتتبعنَ توجيهاتها، فهل هذا صواب؟ وهل نتقبَّل مِن كل امرأة زاحمت وتصدَّرت المجالس أن تَعِظ وتنصَح وتصوِّب سلوك النساء ومفاهيمهنَّ، وهل نعتبرها كفؤًا لشرح الآيات ولتعليم النساء أمور دينهنَّ؟
إن كل امرأة تستطيع أن تُبلغ حديثًا بعينه سمعته ووعتْه وفهمته، وكل مُسلمة تستطيع أن تنصَحَ وأن تأمُر بالمعروف وتنهى عن المُنكر، أما الدعوة إلى الله فهذا عمل لا تُحسِنه أي امرأة ولا تُطيقه، والداعية - وأقصد التي امتهنَت الدعوة إلى الله وتركَت بيتَها وخلَّفت وراءها زوجَها وأولادها، وخرَجَت تبتغي وجه الله - يَنبغي أن تتوفَّر فيها بعض الشروط، والشروط المَطلوبة قليلة ولكنها قاسية جدًّا، والشروط تلك منها ما هو ضروري ومنها ما هو تَحسيني.
أما الضروري فأن تكون مُتعمِّقة في العلوم الشرعية، ومتابِعة للأحداث العالَمية، تفقَه الواقع وتُدرِك خبايا النفس البشرية، وأن تكون جريئة في الحق ولا تخشى بأس العادات والتقاليد الخاطئة، وأن لا تتجاوَزَ حدودها، فالناس يظنُّون الداعية فقيهًا، ويَحسبونه عالمًا في كل أمر فينهالون عليه بالأسئلة، فيَنبغي عليها ألا تقول إلا ما تعلمه حقًّا، ويجب على الداعية أن لا تُجبِر أحدًا على مذهبها الديني ولا على مُعتقداتها الخاصة وطريقتِها في الحياة؛ فالناس ليسوا سواءً، وفي المذاهب الفقهية وفي المدارس الفكرية متَّسع من الأقوال الصحيحة التي تُناسِب الحالات المُختلفة، وعليها أن تُبيِّن الأحكام للناس ولا تُخفي عنهم شيئًا، فلا تقول لهم عن أمر ما أنه حرام لا شكَّ في حرمته وهي تعلم أن الفقهاء اختلَفوا فيه، ولا تأمرهم ببدعة لم تَثبُت في الدين لأنها تآلفت معها وأعجبتها، ولا تتغاضى عن العادات والتقاليد المخالفة للإسلام خوفًا على سُمعتِها ومكانتِها بين الناس.
وهذه فيما أحسب هي الشروط الضرورية لكل داعية.
أما الشروط التحسينية والتي يُفضَّل ويُحبَّذ وجودها في الداعية:
أن تكون قدوة في سلوكها ولباسِها وفي إدارتها لبيتِها، وأهم من هذا كله في تعاملها مع زوجها وتربيتها لأبنائها؛ لتُعطي كلامها قوة ودعوتها حياةً، ومَن كان في موضع المسؤولية يكون قدوةً للناس، وموقعه هذا يُجبِره على ما لا يُجبَر عليه غيره من الالتزام، ويَحرمه من التمتع بطيبات الحياة كما الآخرين.
ومن الشروط المهمَّة للداعية:
كثرة القراءة في الكتب الهادفة، والاطلاع دومًا على المراجع القيِّمة، ومُتابعة المَجلات الإسلاميَّة؛ لتُثري الداعية معلوماتها، ولكي تتفهَّم العالم الذي تعيش فيه، فتتمكَّن مِن تصحيح مفاهيم الناس وحلِّ مُشكِلاتهم.
♦ ♦ ♦ ♦
وهذه هي الشروط اللازمة فيما أظنُّ، فإن أتقنتْها المرأة كانت مؤهِّلة للقيام بعملية الدعوة إلى الله، وهذه المقالة تَنطبِق كلها على الرجال، وتنفَعُ لهم كما نفعَت للنساء، على أني خصصتُ النساء بالكلام وآثرتهنَّ بالمَوعظة لغيرتي عليهنَّ وحبِّي الخير لهن بعدما رأيتُ وسمعت من سلوكهنَّ ووعْظهنَّ، وأملي أن يستمع الطرفان (نساءً ورجالاً) إلى قولي ويَستفيدوا جميعًا من نُصحي.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن