نطالب برد اعتبار!
لقد استطاعت المرأة احتلال مكان الرجل والقيام بأعماله ومُهمَّاته بشكل جيِّد مُرضٍ؛ لأن التحدِّي يصنَع الأعاجيب، لكن الرجل لم يَستطِع الحلول مكانها في البيت، ولم يَستطِع القيام بأعمالها، ولم يتمكَّن من تعويض النقص والفراغ التربوي الذي نتَج عن خروجها، ولم تَستطِع الخادمات ولا المربيات ولا حتى الجدَّات سدَّ الفراغ الذي تركته الأم بخروجها إلى العمل، وهو الأمر الذي أدى إلى فساد الجيل وانحرافه.
الأمر الذي سهل عمل المُفسِدين، ومهَّد الطريق أمام المخربين؛ لأن في إيمان أولاد المسلمين هشاشة، وفي معتقداتهم رقة، وهم يَفتقِرون إلى قاعدة دينية وأخلاقية صُلبة تحفظهم وتحميهم من السوء والمُنكَرات، ورغم ذلك ما زلنا نعتبر التربية "مِهنةً وضيعة"!
أيها الإخوة والأخوات، إنما أردت اليوم - وبناءً على ما سبق - أن أنبِّه لأمر وأُذكِّر بخطر ما زال يتربص بنا، فهل تعلمون أن مهنة التربية الدينية والأخلاقية التي تخلَّت عنها الأم (لوضاعتِها وسخافتها!) باتت تشغَل بال الكثيرين؟ وهل تعلمون أن أعداءنا يُعدُّون الخطط ويَعقدون المؤتمرات للنفاذ إلينا من خلال هذه الثغرة، وتخريب عقيدتِنا، وحَرْفِ أولادنا؟ إنهم يسعون - بجد - إلى تغيير أفكارهم ونزعاتهم واتجاهاتهم؛ ليُفسدوهم ويُبعدوهم عن الدين.
لقد اهتمَّ المُستشرِقون والغربيون بالتربية - وبالدينية منها خاصة - لأنهم أدركوا أهميتها؛ فهي التي تصوغ الأفكار والمبادئ، ومِن دونهما يُمكِن التحكم بالإنسان وإقناعه بأي مذهب، يقول رئيس جمعيات التبشير مخاطبًا مُبشِّريه: "إن مهمَّتكم أن تُخرجوا المسلم من الإسلام؛ ليُصبِح مخلوقًا لا صِلة له بالله، وبالتالي لا صلة تَربطه بالأخلاق التي تعتمِد عليها الأمم في حياتها، وبعملكم هذا تكونون طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، لقد هيَّأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقَبول السير في الطريق الذي سعَيْتم له، ألا وهو إخراج المسلم من الإسلام؛ إنكم أعددتُم نشئًا لا يعرف الصِّلة بالله، ولا يُريد أن يَعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تُدخِلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي مُطابقًا لما أراده الاستعمار، لا يهتمُّ بعظائم الأمور، ويحب الراحة والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمَعَ المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، إنه يَجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات، أيها المُبشِّرون، إن مهمَّتكم تتمُّ على أكمل الوجوه"[1].
المبشِّرون يهتمون بأولادنا ليَجعلوهم دون أفكار ودون مبادئ، ويَرسمون الخطط باكرًا ويُنفِّذونها ليُخرجونا من دينِنا، ونحن - ودون قصد مِنا - نساعدهم على تنفيذ خططهم، ونسهِّل لهم عملهم، ونُسرع مهمَّتهم؛ وذلك بإهمالنا المرأة، وباحتقارنا جهودها، وباعتقادنا أن التربية التي تصنَع الأفكار وتُعمِّق الإيمان وتُثبِّت العقيدة والأخلاق مضيَعةٌ للوقت، وهدر للجهد، فندور باحثين عن عمل بديل للمرأة أكثر قيمة، ونَترُك لهم أولادنا ليُزعزِعوا ثقتهم بالإسلام، وليتبعوا الحضارة الغربية!
ولعلَّ بعضنا استدرك ذلك فنشَّأ أولاده على العقيدة الصحيحة، إلا أن أكثرنا أخفَقَ في تنشئتِهم على كل الأخلاق السامية العالية الرفيعة، وما زالت مجتمعاتُنا تُعاني من كل المُنكرات، فنحن - إذًا - بحاجة إلى المزيد من الجهد والتفرُّغ والاهتمام بأبنائنا، لا المزيد من الانشغال والإهمال، فكيف نحقِّق هذا والأمهات العاملات في ازدياد؟ وكيف نُعيد أمجاد الإسلام وأعداد المُنحرِفين في ارتفاع؟ فهل أدركتُم الفراغ الذي أحدثه غياب الأم عن التربية والتوجيه؟
وهل عرفتم - من ناحية أخرى - لماذا نهى الله عن بخس الناس أشياءهم؟ فإن هذه الكلمات القليلة التي تُكرَّر على مسامع النساء: "أنتُنَّ النصف العاطل عن العمل"، وأمثال ذلك مما يُقصَد به التحقير والانتِقاص من عمل المرأة التربوي، ومن جهودها في التوجيه والتنشئة، وعدم تقدير للعمل الذي تُقدِّمه، هذه الملاحظات المستمرة هي التي حملَت النساء على الخروج إلى العمل، وهي التي أدَّت إلى تمرُّدهنَّ على وظيفتهنَّ الأصلية، فترك بعضهنَّ التربية وأعرضْنَ عن القيام بحقِّها، مع كونِهنَّ مُتفرغات جالسات في بيوتهن، وتركت أخريات التربية وخرجْن إلى العمل غير عابئات بالعواقب.
وكان أن عاد وبالُ ذلك على الرجل، وكان أن ارتدَّ أثرُه عليه بشكل أو بآخر، فقصَّرت النساء في حق الرجل؛ مراعاة لحق العمل، وظلَمْنَه معهنَّ زوجًا وابنًا، وربما أخًا وأبًا!
• • •
ولا تظنوا أن هذه العبارات حِكرٌ على المُفسِدين في الأرض؛ فقد فشَتِ اليوم بين المسلمين، وصارت المرأة تقوم كما يقوم الرجل؛ أي: بشهادتِها العِلمية، وبدرجتها الوظيفية، وساد هذا وانتشر حتى آلت كل امرأة على نفسها أن تعملَ بعد تخرُّجها أيَّ عمل سوى التربية.
فيا مَن تَنتقِصون من عملية التربية، وتُقلِّلون من قيمتها، فترون المرأة - من أجل ذلك - نصفًا معطَّلاً، أنتم السبب في خروج الأمهات إلى العمل، وأنتم السبب في إهمالهنَّ بيوتهن، ومن ثَمَّ فأنتم السبب غير المباشِر في فساد الجيل وانحراف الأولاد عن الدِّين القويم!
وإننا - نحن الأمهات المتفرِّغات - لَنُطالب برد اعتبار! فنحن نرفض أن نُسمَّى "النصف العاطل عن العمل"؛ لأننا نعمل عملاً عظيمًا، ونرفض التقليل من شأن مهنتِنا؛ لرِفعتِها، وإلا قلَّت أعدادُنا، وانصرف معظمنا عن القيام بأعباء المِهنة!
فيا أيها المسلمون، هلا رددتُم إلى المرأة اعتبارها باحترامكم مهنتها، وتقديركم جهودها، وشُكرِكم تضحيتَها، حتى تستقرَّ نفسيتُها، وتهدأ ثورتها، وتعود إلى القيام بواجبها على النحو الأفضل، والوجه الأكمل، فتُخرِج لنا جيلاً فريدًا متميزًا، لا جيلاً فاسدًا فاسقًا مُنحرفًا؟!
إنه لنداء، وإنها لاستغاثة، فهل مَن يجيب الاستغاثة؟ وهل مَن يلبي النداء؟!
[1] جلال العالم: دمِّروا الإسلام وأبيدوا أهله، (ص: 71).
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن