الانتقاص منهن تسبب في خروجهن
الحاجة إلى التقدير الاجتماعي، والشعور بقيمة الذات" عنوان كبير مُهمٌّ في كتب علم النفس، فما هي هذه الحاجة؟
"هي حاجة الإنسان لأن يكون موضعَ قبول وتقدير واعتبار واحترام من الآخَرين، وإلى أن تكون له مكانة اجتماعية، وأن يكون بمنأى عن استهجان المجتمع أو نَبذِه، وهي حاجة يُرضيها شعور الفرد بأن له قيمةً اجتماعيةً، وأن وجوده وجهوده لازمانِ للآخرين، كما أنها تبدو أيضًا في حب الإنسان للثناء وشوقه إلى الظهور"، وقيل - أيضًا عن هذه الحاجة: "هي رغبة الإنسان في أن يكون شيئًا مذكورًا، والحاجةُ إلى تقدير الذات هي مِن أقوى الحاجات السيكولوجية، وهي موجودة في أساس كل سلوك بَشريٍّ".
وهذه الحاجة الضرورية موجودة في كيان المرأة كما هي في سواها، والمرأة بحاجة ملحَّة إلى إشباع هذه الحاجة كما هي بحاجة إلى الطعام والشراب تمامًا، لكن هذه الحاجة لم تُشبَع أبدًا عند النساء طوال السنين الماضية، بل تلقَّت المرأة المسلمة - على مرِّ القرون - إهانات عديدة، وبصورة جارحة مهينة (من أشقائها مِن الرجال المسلمين لا من غيرهم) فسَخِروا منها، واستهزؤوا بقدراتها، وقلَّلوا من شأنها، واستهانوا برأيها، واستخفُّوا بعقلها، وظلموها وأهانوها، ولم يعاملوها كما أمرهم الإسلام.
وجاءنا أخيرًا التقرير الغربي ليُعلِن أن المرأة المسلمة طاقة معطَّلة، جالسة في البيت لا تصنَع شيئًا، ولا تقدِّم عملاً! وكان أن تألمت المرأة من الإهانات المتوالية، ثم تأثَّرت بهذه الأفكار الغربية البرَّاقة، فأعادت حساباتها، ودرست أوضاعها، ثم قرَّرت أن تُغيِّر مسارها، وتعدِّل سلوكها، وتُصبح إنسانة محترمة قديرة، ذات مهنة نافعة، فقرَّرت أن تكون رجلاً!
نعم، لقد قرّرت المرأة أن تتحوَّل إلى رجل بشخصيتها وسلوكها! فبحثت عن مواطن الاختلاف بينها وبين الرجل، وتتبَّعت الأسباب التي أدت إلى علوِّه عليها، والتي دعته - بالتالي - إلى الانتقاص منها، وكانت العلَّة في أمرَين:
(1) الكسب؛ أي العمل خارج البيت.
(2) والمناصب العالية التي يتقلَّدها.
وخرجت المرأة بعدها من البيت لتُصارع الرجل على هذَين الأمرين بالذات لا على غيرهما؛ علَّها تَغلبه فتحتلَّ مكانه، وتُثبت له أنها ليست أقل منه، فتنال احترامه وتقديره هو بهذا، وتُشبِع حاجتها هي إلى التقدير والاحترام.
لا تعجبوا؛ فلكل إنسان مثل أعلى يسعى إليه، وما دامت المرأة هي الأقل وهي الأنقَصُ والرجل هو الأفضل والأحسن، فقد جعلته مثلاً أعلى لها، وصارت تسعى وتَجتهد للاقتراب من هذا المثل، وكلما نجحَت ازدادت عزمًا وتصميمًا على المضيِّ قدمًا في احتلال مكان الرجل، ولو أخرجها هذا عن أنوثتها، ولو تسبَّب هذا في بطالة الرجل وقعوده عن العمل؛ فهدفها هو الدفاع عن حقوقها والثأر لإنسانيتها، والغايةُ تبرِّر الوسيلة!
• • •
آلَمَني هذا الواقع، وأحزنني وضع المرأة، فالانتقاص الدائم منها، والمقارنة الدائمة بينها وبين الرجل أوهماها بأن التساوي التامَّ بينهما هو الأصل لا التكامل، وأدَّيا إلى إصابتها بما يُسمَّى "عقدة نقْصٍ"، و"عقدة النقص" كما عرَّفها علماء النفس هي: شعور الإنسان أن به نقصًا جسميًّا أو عقليًّا أو اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا، حقيقيًّا كان هذا النقص أو مُتوهَّمًا، فليس مِن الضروري أن يكون بالفرد نقْص كي يسيطر عليه هذا الشعور، فكثير من الناس يشعرون بالنقص حين يَقرنون أنفسهم بغيرِهم من المُمتازين والمتفوِّقين في نواحي الحياة المُختلفة، وهو شعور طبيعي غير شاذٍّ، بل قد يكون دافعًا يُحفِّز الناس على إصلاح ما لدَيهم من عيوب، وعلى التقدم والارتقاء؛ أي: إنه قد يبعث على التعويض الموفَّق الناجح.
إذًا؛ حاجة المرأة إلى التقدير والاحترام حاجة طبيعية وضرورية كما قال العلماء، وشُعورها بالنقص ليس سيئًا؛ لأن فيه حفزًا لها على التقدم والنجاح، وهذا أمر محبَّذ ومشكور، لكن المرأة ضلَّت الطريق في غمرة انفعالها واندفاعها، وتاهت في زحمة آمالها وأحلامها، واشتطت في دفاعها عن نفسها، فظنَّت أنه لا سبيل إلى الاحترام والتقدير إلا بالخروج من البيت وبالقيام بأعمال الرجال، بينما إثبات الذات وتعويض الشعور بالنقص والوصول إلى احترام الآخرين وتقديرهم هو أقرب من ذلك، فهو يتمُّ بأي نجاح، ويتحقَّق بالتميز على الأقران، والمرأة تثبت ذاتها وتَفرِض احترامها على مَن حولها عندما تنجَح، وتتميز المرأة عن سواها بما تقدّمه مِن فائدة، وبما تتركه من أثر.
• • •
فتحلَّلي يا أختي مِن عقدة النقص هذه، ولا تَندفعي إلى أعمال الرجال، ولا تكوني السبب في قعود أحدهم عن العمل، بل استخدمي طاقتك وإمكاناتك وأَظهِري قدراتك في مجالك أولاً، وفي الأعمال المناسبة لك، وعندما تنجَحين وتتفوقين وتُغطِّين كافة المجالات التي تَصلُح لك، فكِّري في المجالات الأخرى، فنحن مثلاً بحاجة حقيقية لدار إسلامية للأزياء، فلماذا لا تتخصَّص مجموعة من النساء بالعمل في هذا المجال، فتُصمِّمن العباءات الساترة للكبيرات، والملابس المُحتشمة الأنيقة للفتيات أول عهدهنَّ بالحجاب؟
وقد سمعت وقرأت عن سيدات يعملْنَ وهنَّ في بيوتهنَّ ويُبدِعن في مجالاتهن، وهن راضيات وسعيدات، وقد حقَّقن أرباحًا جيدة، وحصلْنَ على سمعة طيبة، وصرن يُقصَدن لذاتهنَّ ولإخلاصهن في عملهن وإتقانهن له.
ولو فكرتِ جيدًا مثلهنَّ لوجدتِ عملاً يُناسبك ويُظهِر قدراتك، وإبداعك، وتميُّزك، ويُريحك من عقدة النقص هذه، فكفِّي عن عقد المقارنات العقيمة، واشغلي نفسك بأي شيء فيه الخير والمصلحة، ولا تحقِرِنَّ عملاً نافعًا مهما كان بسيطًا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن