المساواة أم التكامل بين المرأة والرجل؟
المُساواة بين الرجل والمرأة موضوع يتكرَّر كثيرًا على صفحات الجرائد والمجلات والكتب ووسائل الإعلام، وفي المُجتمعات المختلفة، وتبيَّن أخيرًا أن المساواة هي أن تترك المرأة مسؤوليتها وعالمَها، وتَخرُج للعمل ويَبقى بعض الرجال عاطلين؟ أو يتواكَلون على راتبها، هذا ما وصلنا إليه، فهل هذا ما تُريده المرأة؟
إذا كان هذا يُرضيها، فإن المرأة ظلمَت نفسها؛ ذلك أنها لن تستطيع أبدًا أن تتخلى عن وظيفتها كأنثى، ولو استعانت بالخادمات والمُربيات والطباخات، فلا بدَّ لها أن تَحمِل، وأن تلد، وأن تُدرِّس أولادها، وأن تُشرف على شؤون البيت، بعد أن تعود مُنهَكة من عملها، فتُعاني في البيت، وتعاني في العمل، بينما يعود الرجل إلى بيته ليتمدَّد ويَستريح، ويُمارس هواياته في أوقات الفراغ!
وهي نتيجة توصَّلت إليها الداعية زينب الغزالي من قديم فقالت: "الله - تبارك وتعالى - خلَق الرجل وخلق المرأة، وقرَّر عملاً للرجل، وقرَّر عملاً للمرأة، الرجل لا يزال في عمله الذي قرره له ولم يُضِف إليه شيئًا، فلم تُنهَك قواه، أما المرأة فقد حمَّلناها فوق طاقتها، جئنا الآن وفرضنا عليها قائلين: أنت تتزوَّجين، وتُنجبين، وتُربِّين الولد، وتخدمين الزوج، وتُعدِّين الطعام، وتُعدِّين الكساء، وتَخرُجين مع الرجل لتعملي في الخارج على قدم المساواة معه! الرجل يعود من عمله إلى المنزل للراحة والاستِرخاء، أما المرأة فتعود من العمل لتَدخُل مطبَخَها تُعدُّ الطعام وتَخدُم الأسرة حتى الليل، وهكذا تحمَّلت مسؤوليتَين، بينما الرجل يتحمل مسؤولية واحدة! أليس كذلك؟!"[1].
إن الثمن الذي دفعته المرأة غالٍ جدًّا؛ فالثمن صحتها وشبابها وأطفالها، فهل حصلت المرأة على المساواة بعدما تكبَّدته مِن عناء؟ وهل حقَّقت ذاتها كما كانت تَرجو؟
الذي حدَث: أنها تركت وظيفتها الأولى كزوجة، ومُربية، ومع ذلك لم تَحصل على التقدير الذي تُريده كمُنتجة وعاملة، وما زالت - كما نسمَع - تُعطَى راتبًا أقل من راتب الرجل، وما زالت بعض المجتمعات تعاملها معاملة أقل، وبذلك لم تحصُل على عنب الشام ولا بلح اليمن!!
ثلاجة الطعام مهمَّة جدًّا في المنزل، والمُكيِّف مهمٌّ جدًّا - لمَن يعيش مثلنا في بلاد حارة - ولا يُمكِن الاستغناء عن أحدهما بحال من الأحوال، ولكن مع ذلك لا يُمكن استعمال البراد لتكييف الغرفة، ولا يُمكن استعمال المُكيِّف لتبريد الماء، فلكلٍّ وظيفته المحدَّدة، وعليه القيام بها، ولا يُمكن أن يقوم بغيرها، ولو أمكنه، فهذا ليس هو الأسلوب الصحيح، فلكل مِن الرجل والمرأة وظيفته، والمُزاحمة ليست مُستحبَّة، ففي المكان متَّسع، والوظائف كثيرة مُتنوِّعة، وتحقيق الذات يتمُّ بطرُق عديدة، ولا يُجدي إلا إذا وضع في موضعِه، وهذا ليس طعنًا بالمرأة، فأنا مِن أشدِّ المُتحمِّسات لقضية المرأة - خاصة أنني أُنثى - وأودُّ أن تكون المرأة شيئًا رائعًا فعَّالاً، ولكني أكرَه لها الظلم والغَفلة، والذي أراه أن اتِّجاه كل النساء إلى العمل خارج البيت خطأ، وهو يَضرُّ بتربية الصغار وبالأسرة.
وإن الطريق نحو العدالة في التعامل مع المرأة يبدأ من البيت، ومشوار المائة خطوة يَبدأ بخطوة، والمثابرة والصبر توصِّلان إلى الهدف المَنشود.
• • •
فيا نساء العالم المؤمنات، اللاتي تُطالبْنَ بالحقوق الإسلامية للمرأة:
هل تعلَمْنَ أن رجال المستقبل ما زالوا أطفالاً بين أيدينا، وأن بإمكاننا أن نُربيَهم على القناعات التي نُريدها؟
لقد شهد لنا بذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه))، كما توصَّل علماء النفس إلى أن تشكيل الإنسان يبدأ منذ ولادته، وأن المبادئ والقناعات يَزرعها الأبوان - وخاصة الأم - في السنواتِ الأولى من عمر الطفل.
إن مسؤوليتنا الأولى (مربيات للجيل المسلم) التي زهدْنا بها، واعتبرناها سخيفة ومُضيِّعة للوقت، وخرجنا نبحث عن بديل لها - يُكرِّس لها المبشِّرون وقتهم وجهدهم ومالَهم، فيَعقدون المؤتَمَرات، ويَبنون الجامعات، ويؤلِّفون الكتب، ويقدمون الخدمات المجانية المختلفة، مقابل أن تتنصَّر الشعوب الإسلامية، وتتخلى عن دينها.
لذلك أنصَحُ النساء بدل الخروج لنصر قضية المرأة في الخارج، أن تنصُرَها بالداخل بين أيدينا، والذي أراه أن المرأة تَشكو ظلم الرجل، وهضمه لحقوقِها، وتسلُّطه عليها، وعدم تفهُّمه لها، ثم تقوم هي نفسها بإعداد ولدِها على نفس الطريقة، التسلُّط والقهر وغيره، بينما تُربِّي ابنتها على الخضوع والاستكانة وغيره، بالإضافة لخدمة كلِّ أفراد المنزل، ثم تشكو المرأة عدمَ الإنصاف وتُطالب بالمساواة؟!
• • •
كل أمٍّ عندها - وسطيًّا - خمسة أطفال، فلو أن كل امرأة تركت خلفها كل ما يُقال، وجلست لهؤلاء الأولاد، فغذتْهم بالمبادئ والأفكار الإسلامية، وغرسَت فيهم التقوى وخوف الله، وعلَّمتْهُم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعامِل النساء، وكيف أوصى بهنَّ الرِّجال، وكيف كرَّمهن وأعطاهن حقوقهن، لَنَشأ بعد عشر سنوات - وبالكثير عشرين، وهذا لا شيء في عمر الزمان - جيلٌ جديد يَحترِم المرأة، ويُعطيها حقوقها كما أمر الإسلام تمامًا، ولعاشت النساء في راحة ودَعَة بسبب تقدير المجتمع لدورهنَّ، وحفظه مكانتهنَّ، ولسعدت النساء ببرِّ أولادهنَّ، وتكريمهم لهنَّ، وهذه الغاية هي ما يقرُّ عين كل امرأة، وهي ما تسعى له النساء في العالم اليوم.
[1] ابن الهاشمي: هموم المرأة المسلمة والداعية زينب الغزالي، (ص: 229).
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة