فليأخذ بالمجّان
إذا مررت يومًا في شوارع تركيا فلا تنس أن تزور ذلك المخبز الذي علّق يافطة مميزة على بابه... ليست إعلانًا عن أجود أنواع الخبز أو الكعك المُحلّى، وليست إعلانًا من تلك الإعلانات التي تُعرض لتسلب السائح لُبّه وتستهوي قلبه ليدفع ما في جيبه.
ستسألون إذاً: ما سرّ هذا الإعلان؟ ولماذا حاز منكم هذا الإعجاب؟!!
إن هذا الإعلان هو إعلام حضاري إسلامي.. يحمل معاني التكافل الاجتماعي التي مازال الإسلام يحضّ عليها ويحثّ المسلمين على اتباع مبادئها.
اقرؤوا إن شئتم هذه العبارة - التي علّقها صاحب هذا المخبز- لتعرفوا السبب: "من كان محتاجًا ولا يستطيع دفع الثمن فليأخذ بالمجّان".
بكل تقدير واحترام خذ حاجتك..
بكل بساطة فكّرَ وقدّرَ وتبصّرَ.. فعزمَ وأصرَّ.. عَمَلٌ بسيطٌ وأجرٌ جليلٌ..
بمثل هذه الأفكار البسيطة الرائعة يرتقي المجتمع وترتفع قِيَمُه ومبادئه.. هو التكافل الاجتماعي لا يحتاج منّا لكثير ترتيب وجهد، ولكنه يحتاج إلى يقظة الحسّ والوجدان، فالمسلم للمسلم كالبنيان، ومن اليقظة تتولد الفكرة، ولن تعجز في الوصول إلى فكرة للتعاضد والتآخي، وستجد بإذن الله ما يحقق هذه الأنوار من المعاني ولو بأبسط الوسائل، وبالبصيرة الثاقبة ستثمر أفكارك مشروعًا.... فإن وصلت إلى هذه الخطوة فاعزم ولا تتوانَ وامض في سبيل الله.
فالدولة الإسلامية قامت جنبًا إلى جنب مع مبدأ التكافل الاجتماعي، فيوم وصلت أنوار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة فتحت القلوب والأفئدة لتنسج منظومةً رائعةً من التآخي والحب في الله..
يا لها من صورة لم يعرف التاريخ لها مثيلاً ولم يعرف الكون لها نظيراً، تقاسموا الأموال وتعاونوا على إقامة الدولة بكل احتياجاتها، فنكست في وجهها كل محاولات إقصائها أو إبادتها، لأن الأنصار فقهوا حقيقة التآخي وما يبعثه من قوة في المجتمع وما يكسبه من حصن منيع في وجه سراب المبادئ الجاهلية وخداعها.
فأين نحن اليوم من مناصرة إخوان لنا ذاقوا الموت مرات ومرات، وتجرعوا طعم التشريد والتهجير والاضطهاد؟!
هلاّ كنّا أنصارًا لإخواننا المهاجرين من ديار الظلم والاضطهاد لينطبق علينا وصف الله تعالى ونحظى بالشرف الذي نالوه: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
إنه سباق نحو الفلاح... في مسيرة التآخي.... فهكذا تآخى الأنصار مع المهاجرين..
خطوات التكافل سهلة يسيرة لمن فتح الله قلبه، ولها الأثر البالغ الذي يتخطى حدود الزمان والمكان، فإن غيّب الزمان اسمًا أبقى له ذكرًا... فلا تستقل فكرة أو تستصغر عملاً، فالجبال تكونت من الحصى، والهَمّ يُذهبه العطاء..
فأنت تملك الكثير مما وهبك الله، فإن ضنّت عليك الدنيا بالمال فقد أكرمك الله بالعلم والأفكار... فلا تبخل على مجتمعك مما وهبك الله، وأنفق يخلفك الله خيراً: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾ [البقرة: 272]. وضَعْ لبنة عزٍّ وتآخي في بنَاء الحضارة الإسلامية.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة