السوداء الخضراء
قلت: هل تنكرين أن المسجونين دون سبب أكثر من المستحقين؟
قالت: لازال في اللوحة غموض . مثلثات متداخلة ؟ ربما هي ؟
قلت: إنها نجوم حكام الكرة الأرضية: أمريكا وإسرائيل. أو ابدئي بإسرائيل إن شئت، لا فرق.
قالت: وهذه الخطوط البرتقالية اللون في أماكن كثيرة من اللوحة؟
قلت: إنها إرهاب أمريكا الذي تتهمنا به، وأعطت لنفسها سببا لإشعال النيران والحروب في بلادنا ومنذ سنوات! انظري إلى أفلامهم التي تدل على نفسياتهم الإرهابية، فالقتل فيها والتعذيب وبكل الوسائل من أول لقطة في الفيلم حتى آخر لقطة، وانظري إلى ألعاب الأطفال والمراهقين: دماء ترش، ومناشير تقطع الرؤوس، وسيارات تُنهب، وبضغطة زجاءت صديقتي لتهنئتي بالسنة الجديدة ..
قلت لها: تعالي أريك ريشة ألواني ماذا رسمت! أو ماذا لوّنت!
قالت: ومنذ متى ترسمين؟ ما عهدتك رسامة!
قلت: حسناً – بمعنى أدق – تعالي أريك أنفاسي وخواطري.
قالت: لا أرى يا صديقتي إلا خربشة وبقع ألوان ولطخاً هنا وهناك!
قلت: لا تستعجلي، انظري كم هي معبّرة ومؤثّرة هذه الخلفية!
ضحكتْ حتى دمعت عيناها، وبدا عليها كمن يريد أن يقول: ( لا تعليق )!
تجاهلتُ وقلتُ: ألا ترين لوحتي تلفّحت بالسّواد؟
قالت: أرى تلويناً أسود!
قلت: إنه الحزن على عالم امتلأ فساداً وظلماً وحقداً وفقراً وجهلاً وجوعاً.
قالت: وما هذه الخطوط الأفقية الزرقاء؟
قلت: أما هذه فهي كرامة العباد مختنقة.
قالت: كرامة؟
قلت: نعم. ألا ترين أنه لا كرامة ولا احترام لشعوبنا؟ لا رأي؟ لا حقوق؟
أما حقوق الإنسان فتُمنح حسب المزاج ربع مرة، وتُمنع بنفس المزاج آلاف المرات.
قالت: بدأت أقتنع بلوحتك.. ما هذه الدوائر التي أعطيتها بروزاً واضحاً؟
قلت: آه! إنها البطون، وقبل أن تسألي، فهي بطون الأغنياء الذين يصرفون على حفل واحد مئات الآلاف، بل آلاف الآلاف، وفي نفس المدينة مريض انطوى على نفسه في زاوية بيته لا يملك ما يتعالج به، أو مديون قهرته ديونه ونغصت عليه حياته، أو طالب علم طموح أرغم نفسه لترضى بالمتاح وواساها: أنْ لا بأس يا نفسي وكفى طموحاً فلا مجال ولا مال، أو عاطل عن العمل كان سيعمل هو ومئة غيره لو صرفت نصف أموال الحفل على مشروع! إيـــه يا صديقتي ! لقد أثرت جروحي !
قالت: بمناسبة الجروح، هل هذا اللون الأحمر- الذي يجري في كل زوايا اللوحة – دماء؟
قلت: دماء جراحي ودماء أبنائنا وأمهاتنا وآبائنا في فلسطين وأفغانستان والعراق والصومال والباكستان و ....
قالت: دعيني أخمّن، أعتقد أن هذه النقط دموع.
قلت: نعم، دموع الفلسطينيين ساكني الملاجئ والمخيمات والمهجرين منهم والمغتربين.
قالت: لا أستطيع ان أفسر هذا الشيء الذي بدا ككومة على الأرض، ثم ما هذان العودان الخارجان منها؟
ضحكتُ وقلت: إنها سراويل، جاهدها الشباب حتى لا تسقط ولكنها فعلت.. تخيّلي أن من الشباب المسلم من يجاهد سرواله كي لا يقع؟ صار للجهاد أبواب أخرى أخيّتي.
قالت: وهذه الخطوط المتقاطعة – بناء على أفكارك – سجون .. صحيح؟
ر!! وبعد كل ما يفعلون نردد افتراءاتهم في حقنا ونقول: لا للإرهاب، وغيره من الشعارات!
قالت صديقتي: رويدك، انفعلت ِكثيراً!
قلت: والله لولا إسلام كامل جميل أنعم الله به علينا فهدّأَنا وبصّرنا ووعدنا النصر والمثوبة والجنة لأصيبت عقولنا بالجنون!
قالت: لقد تعبت من لوحتك الحزينة هذه، أريد أن أغير جوّا بجوّ.
قلت: أترين هذه الأشياء الخضراء الكثيرة؟
قالت: نعم أرى، وخشيت أن أسألك عنها فتقولين إنها الرجل الأخضر غاضب وجاء يدمر كل شيء.
قلت: لا، لا. ألا ترينها مبتسمة جميلة؟
قالت مبتسمة: أراها أشبه بحرفي هاء وميم مشعّتين.
قلت: رائعة أنت. هذه الهاء والميم سنوات هجرية وميلادية تعاقبت، وبالرغم من كل شيء هاهي نضرة مضيئة للخير الذي فيها: خير الإسلام، خير الدعاة والمصلحين والمعلمين والمجاهدين والصابرين وذوي الهمم والأهداف، خيرنا أنا وأنت، خيرأبنائنا الرجال وبناتنا العفيفات الطاهرات...
قالت: ولكن لم هذه الهاء وهذه الميم هما الأكبر والأكثر إشعاعا والأقرب؟
قلت: وهنا نهاية قصتي، إنهما السنة الجديدة، يشع منهما الأمل بأن نكون الأقوى والأعز ......
بعد شهور أخبرت صديقتي بفوز لوحتي في مسابقة الفنون .
تعجبتْ وضحكتْ !
فقلت لها: قرؤوها بتفاؤل عال: ليل وقيام وسكينة، شمس مشرقة وأمل جديد، نهار ونشاط وإنجاز وعطاء، بحر هادئ وتأمل، شجر وثمر، جبل وعزة وشموخ، ضوء قمر وهلال ويمن وإيمان وسلامة وإسلام.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!