معوقات تؤخر نضج الأولاد
النضج عمليَّة تلقائيَّة طبيعيَّة واجتماعيَّة، وهي تنمو كل يوم عند الصغار، حتى يصلوا إلى يوم يُصبحون فيه كالكبار في ردود أفعالهم.
ولكن النضج يحتاج لحوافز؛ فتُغذِّيه القدوة والبيئة، وقد تقف دونه بعض العوائق، من مثل:
1- وضع الطفل: الطفل الوحيد يتأخَّر نُضْجه، وأصغر الأبناء كذلك، وأحيانًا يهمل الوالدان الطفل الأوسط؛ فيلحق برَكب الوحيد والصغير، والكبير يكون في بعض الأوقات حقلَ تجارِبَ للأبوين؛ فيبقى طفلاً بين أيديهما ويتأخَّر نضجه.
2- المرض والشعور بالفشل يُؤخِّران النضج، والعلاج بالدعم النفسي.
3- قسوة الآباء إذا زادت عن الحدِّ، أخَّرت النضج.
إذا نضِج الفتى يكون قد بلَغ مبلغ الرجال، وهذه علامات النضج:
1- القدرة على ضبط النفس، وتقبُّل ما يجري بهدوء، والناضج يكون متزنًا في ردود أفعاله حيال ما يمر به؛ فيُخفِي مشاعره السلبية والعدائية حين يَستدعي الأمر.
والناضج يتصبَّر على العطَش عند فقد الماء، ويتحمَّل التعب إذا اضطر إلى المشقة، وينتظر في الدعوات ولو كان جائعًا، لا ينقَضُّ على المائدة انقضاضًا، ولا يمد يده حين يرى الطعام الشهيَّ أمامه؛ فالطعام له آدابه، وينبغي التريُّث حتى يدعوه صاحب الدار، وحتى يبدأ الكبار.
ونحن لا نريد كبْت الصغير؛ وإنما تهذيبه وتعليمه كيف يتصرف؛ ليكون متوازنًا طبيعيًّا، لا شهوانيًّا بهيميًّا، وحين يكبت نفسه (بهذا القدر البسيط المؤقت) ويتأدَّب، فإنه يتعلم السيطرة على نفسه ووقفها عند حدها، وإنَّ أكثر ما يوقع في المعاصي هو الانطلاق وراء الشهوات والرغبات النفسيَّة، والرجل هو من يكبح جماح شهوته، ويحد من غرائزه.
2- المثابرة، والناضج يكون مثابرًا، وإذا فشِل في أمر حاول وحاول، حتى إذا عرَف وتأكَّد أنْ لا سبيل إلى إنجازه، تقبَّل الهزيمة؛ لأنها "قدَرٌ" خارج عن الإرادة، وغَيَّر وجهته وانتقل لغيره من الأعمال، واستمر في الكفاح، والناضج يتفاءل ولا يتسرَّب إليه اليأس بسرعة إذا فشل.
3- الثقة بالنفس، وإذا عرَف الصغير مواهبَه وإذا ساعدته لكي يستفيد من طاقاته، عرف مقدار نفسه واكتسب الثقة بها؛ فلا يُهدِّد أمنَه الداخلي ما يلاقيه من العالم الخارجي، وما أكثرَ ما نلاقيه من أذى الناس ومِن كيدهم!
4- المرونة، والمفروض أن يتعلَّم الصغير الثبات على المبادئ والقيم الأصيلة، ويحاول الدفاع عنها فيما لو خالفه أقرانه، ولكن بعض الأشياء (مثل المواضيع الخلافية والتابعة للذوق والعرف) تنبغي المرونة فيها، ولا ضير أن يدافع الصغير عن رأيه وذوقه؛ ليتدرب على النقاش والمحاورة.
5- التوازن بين العقل والعاطفة، العاطفة والعقل كلاهما ركن أساسي في حياتنا، وهما توءم ملتصق ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وانتصار العقل يؤدي بالمرء إلى القسوة، وانتصار العاطفة يؤدي بالمرء إلى الميوعة واتِّباع الشهوات.
والرجل يكون بين العاطفة والعقل في كل موقف، فيجعل للعاطفة نصيبًا وللعقل نصيبًا، ولا ينبغي أن تستجيب الأم لرغبات الصغير كلِّها، ولا تتركه يتصرَّف على هواه، بل تؤدِّبه وتمنعه من أشياء؛ حفاظًا على سلامته، ولكي تُنمِّي حِسَّ "التوازن" الفكري والاجتماعي.
6- القدرة على التكيُّف مع العالم ومع التغيُّرات السريعة التي تحصل فيه؛ أيْ: مواجهة الواقع، وتحمُّل الحظِّ السيِّئ، والظروف الصعبة؛ فالحياة مليئة بالمفاجآت، ولا بد لأطفالنا من التفكير في هذا، وقد تكون العوارض بسيطة كالمرض، أو خطيرة كالموت، وتكمن المهارة في الاستفادة من كل موقف يقع فيه الإنسان، مثلاً: يُخطِّط الأولاد لمباراة حاسمة يوم الجمعة؛ فينزل المطر ويفسد الجو، فيُلْغَى المشروع، الأكثرية تتقبَّل هذا وتتكيَّف مع الظروف، وتغيِّر الاتفاق إلى مباراة تنس طاولة داخل النادي، ولكن بعض الأطفال يثورون ويحنقون ويرفسون الكراسي، وهنا تظهر الفروقات، ويتعيَّن على الأم العلاج.
7- كيف يحُلُّ مشكلةً، ولكلِّ طفل طريقته في مواجهة مشكلاته: وبعضهم يتصرَّف بلا مبالاة تاركًا حقَّه، وبعضهم يصيح ويستنجد بأمِّه! وبعضهم يكتفي بالسبِّ والشتْم، وقليلون يحاولون البحث عن حلٍّ.
وينبغي على كل طفل استعمال كافَّة الأساليب المشروعة للخلاص من المعاناة، وهنا يأتي دور الأمِّ لتُوجِّه طفلَها لِيحلَّ مشكلته بنجاح:
1- حسب شخصيته.
2- حسب نوع المشكلة وحجمها.
3- حسب غريمه فيها.
والمشاكل العابرة وغير المقصودة (مثلاً: قذَف أخوه الكرة بطيش، فانطلقت نحو المجسم الجميل الذي يُزيِّن به مكتبَه وكسرتْه)، فهذه نعلِّمه التغاضي عنها، عن طريق القدوة والكلام والإقناع والتفاهُم.
أما بقيَّة المشاكل "المزعجة" و"المتكرِّرة" و"الطارئة الجديدة"، فيجب البحث عن حلٍّ لها، وقد تحتاج للتفكير وابتداع حلول جديدة، وليتنا نتعامل مع المشكلة على أنها تحدٍّ لصبر الصبيان ورجولتهم فينجحوا في تخطِّيها.
8- الاستغناء عن اللذَّة السريعة العارضة في سبيل النجاح الدائم والسعادة المستمرَّة؛ فالدواء مُرٌّ، والإبرة مُؤلِمة؛ ولكن العلاج يسرِّع الشفاء ويخفِّف الأعراض، إذًا ينبغي على الابن تحمُّل الألم العارض مقابل النتيجة الحلوة المؤكَّدة، وكذلك يترك السهرات الممتعة ويتحمل مشقَّة الدراسة؛ سعيًا وراء النجاح في الامتحان.
وحين يسمع ابنكِ نصائحك، ويقتنع بالتعليلات التي تُقدِّمينها، ويُرعيكِ اهتمامه، يكون قد نضِج!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن