العين المحمودة والعين المذمومة في الكتاب والسنة - الجزء الثاني

يقول تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ}. فالعين المذمومة التي يبغضها الله ورسوله أولها العين التي لا تنظر فيما حولها ولا تلقي له بالًا.
هذه العين لا تبصر ولو أنها نظرت هي لا تنظر في آيات الله الكونية قال تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} ولا التكوينية ولا القرآنية. {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}. {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
وأما الثانية فهي التي تنظر إلى ما حرم الله تعالى: جاء في الحديث الصحيح: 'العين تزني وزناها النظر واللسان يزني وزناه الكلام واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها المشي والسمع يزني وزناه الاستماع ويصدق ذلك الفرجُ أو يكذبه'.
وأما الثالثة فهي التي تبكي على الدنيا {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}.
وأما الرابعة فهي التي تنظر بازدراء إلى عباد الله تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمْ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ}.
أيها الأخوة الكرام عباد الله لهم مكانة كبيرة عنده وهو لا يسمح لمخلوق أو لعبد فاجر أن يهينهم أو ينال منهم. {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} {قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون} لماذا كل هذه العقوبة؟! {إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون}
وأما الخامسة فهي العين الخائنة. يقول تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}. تخون العين حين تنظر إلى ما حرم الله، وتخون حين لا تؤدي مهمتها في الحراسة في سبيل الله.
وأما السادسة فهي العين الخائفة الجبانة {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.
وأما السابعة فهي العين الحاسدة قال تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}. قال نبي الرحمة: لا عدوى، ولا طيرة، والعين حق'. وأما الدواء ففي الحديث الشريف: إذا رأى أحدكم من أخيه ومن نفسه ومن ماله ما يعجبه فليبركه؛ فإن العين حق.
أردت من هذه المقالة أن تكون نموذجًا لنا في قراءة كتاب الله تعالى وفي ضبط جوارحنا فلنبحث عن اللسان الذي يحبه الله ورسوله وعن الأُذن وعن اليد وهكذا. الله عز وجل يحب العين التي تنظر في الكون فتتفكر فيه وتنظر في القرآن فتتدبره وتنظر في أفعال الله تعالى فتنزهه، يحب العين المنضبطة بمنهجه، والعين التي تحرس وتسهر في سبيله والعين التي تبكي من خشيته ورحمة بعباده وحزناً على ما فات صاحبها من الخير، وعند سماع القرآن الكريم والحق.
ويبغض الله العين التي لا تنظر فيما حولها، والتي تبكي على دنيا زائلة، والتي تتكبر وتزدري عباد الله، ويبغض الخائنة والحاسدة والجبانة الخائفة.
وكل بطولتنا أن نجعل عيوننا في مرضاة الله ورسوله حتى نلقاه وهو عنا راض ، يقول تعالى مخاطباً ومعاتباً عبده {ألم نجعل له عينين}. ويقول أيضاً: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}. والحمد لله رب العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
العين المحمودة والعين المذمومة في الكتاب والسنة - الجزء الثاني
سوريا إلى خير
أسباب تخلّف المسلمين: تحقّق وتبيين
النسوية.. واقع وتوجّه
الهجرة عقيدة