أمنيات محققة
أحد مواضيع الكتابة الشهيرة عند الأدباء أو كتاب السيناريو هو موضوع (الأمنيات عندما تتحقق على الأغلب تفقد جمالها).
لعل بعضكم يذكر القصة التي تحولت إلى فيلم فيما بعد، عن ذلك الشاب المغرم بفتاة لا يستطيع الاقتراب منها لظنه أنه لا يملك ما يميزه كي تهيم به حباً، وبالصدفة يلقى الشيطان فيعقد معه صفقة أن يحوله إلى شخص آخر يكون جديراً بهذه الفتاة، ويعطيه الشيطان جهازاً يضغط عليه عندما لا يعجبه ما تحول إليه. وعندما بدأ مشوار تحقيق الأمنيات بدأت المتاعب؛ في البداية تمنى أن يكون ثرياً جداً، وعندما استيقظ وجد نفسه في قصر هو أقرب للقلعة لشدة اتساعه، وتعيش فيه حبيبته التي – لسبب ما – لا تحبه وإنما مجبرة على العيش معه.. وقبل أن يتساءل عن الخطأ انهالت عليه المصائب من كل صَوْب: اكتشف أنه أكبر تاجر هيروين في المنطقة وأن عصابة أخرى تستعد لشن هجومها الدموي عليه وأن الشرطة تلاحقه و.. و.. مما جعله يضغط على الزر بسرعة طالباً تغيير الأمنية. وهكذا تنقل من أمنية إلى أخرى لأن كل واحدة كانت بثمن لا يستطيع دفعه! في النهاية تعلم الدرس، وهو أن يكون نفسه لأنه الأفضل له!
بغض النظر عن فلسفة الفيلم التي يقتنع بعض الناس أن تصوير الثراء بأنه المتعب وغير الجالب للسعادة إنما هو مجرد وسيلة من الأغنياء ليقنعوا الفقراء بفقرهم، هناك رسالة أخرى أجدها واقعية ويمكن استنباطها من أمثال هذه القصص: الأمنيات يجب أن تتحقق بالتدرّج لأن أثمان تحقيقها باهظة، ولا يستطيع المرء تحمّلها. تصور طالباً في الثانوية العامة يتمنى أن يستيقظ ليجد نفسه في العام الأخير من الطب؛ ثم تحققت الأمنية: كم عليه أن يتحمل بسبب هذه النقلة الهائلة في الدراسة وأسلوب الحياة ونمطها! والشيء نفسه بالنسبة للأم التي تتمنى أن يكبر أطفالها بسرعة، وتلك التي تتمنى أن تجد زوجها قد أُثريَ فجأة. لعلنا كلنا سمعنا عن عائلات ضحايا 11 سبتمبر التي هبط عليها الثراء فجأة نتيجة تعويضات الحكومة، التي وصل بعضها إلى الملايين، فكانت النتيجة الحتمية: التفكك!
إن التغيير في الواقع لا بد أن يتم ببطء وبمجاهدة لأن التغيير في النفس يتم ببطء ومجاهدة. الشاب الأعزب الذي يتمنى أن يكون أباً لا بد أن يمر بمرحلة الخطبة ثم الزواج وما في ذلك من تغييرات كبيرة على الصعيد النفسي ما بين مد وجزرٍ وحنين جارف للماضي الذي لن يعود، ثم تأتي مرحلة أن يكون أباً متحملاً لهذه المسؤولية، والأمر نفسه للفتاة بطبيعة الحال.
صباحكم – أو مساؤكم – أمنيات محققة، قادرون على دفع أثمانها!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن