"غراسي ستثمر... وإن طالت السنين"
شجرة "البامبو" الصّينيّة... مما يعرف عنها أنّها تبلغ ارتفاع ما يزيد عن 80 قدماً... ولكنّ قليلاً من النّاس مَن يعرف أنْ زارِعُها يُمضي ما يقارب أربع سنوات وهو يتعهدها بالرعاية بجَلَدٍ وصبْرٍ؛ وهي لا تُظهر من حجمها غير فَسيل منها...
فالسؤال هنا: أين يذهب كل هذا الجهد الذي يحرص عليه المزارع طيلة هذه السنوات؟
وتأتي الإجابة في السنة الخامسة حيث تكون الشجرة قد عمَّقت جذورها في الأرض لتبدأ رحلتها في الفضاء الرَّحْب....
إنّها مثالٌ للتَّربية؛ فهي تحتاج منا صبراً وأناةً وسعةَ صدرٍ ومعرفة في كيفية التّعامل مع هذه النّفسِ المعقّدة في تركيبها، لتنطلق في فضاء الحياة محقِّقةً أسمى غاية خُلقت لأجلها؛ عبوديةً لله وعمَارَةً للأرض...
إنّه ابنك وإنّها ابنتك، هدية الله لكم، فعليكم أن تحسنوا رعايتها، وتعرفوا كيف تتعاملون معهم، فربما تمرُّ سنوات ولا تجدون لما تغرسونه نتيجةً تبهركم.. ولكن اعلم أنّك إن كنت ممَّن يتقن فنَّ التّربية ويواكب الوسائل والطرق لتعريف طفلك بذاته فإنّ ثمرة جهدك ستظهر لا محالة...
فالطّفل يخاف من المجهول ويعتمد بالدرجة الأولى على والدَيه للتعرُّف على محيطه، فاصبر على كثرة أسئلته، ولا يزعجنك إلحاحه... ولكن قوِّمْه ووجّهه...
ومن خلال الاستقراء نرى أن تعليم الطفل للأمور المادية والحسية، وإكسابَه مهاراتِ التعرُّف عليها يستغرق وقتاً، ولكننا نستمتع برؤيته وهو يردِّد ما تعلَّم، غير أنّ ما يغفل عنه كثير من الآباء الانفعالات الوجدانية لدى الطفل، وكيفية إكسابه مهارة التحكّم بها والسيطرة عليها، وكيفية التمييز بين الإيجابي والسلبي منها.
فإذا فرح ماذا يفعل؟ وإذا حزن ماذا يفعل؟ وإذا غضب..؟ وإذا كَرِه...؟ وإذا أحبَّ...؟ وإذا أشفق...؟ وإذا اشتاق...؟ وغيرها الكثير ..
ومن المؤسف أن نرى طفلاً يبكي - وهو سلوكٌ يُعبِّر عن الحزن غالباً (وعند الأطفال قد يحمل معانٍ أخرى) - فإذا بصوت ينهاه عن البكاء مُبرِّراً أن البكاء للصغار! أو أن البكاء للإناث فقط ! أو ... أو...
وآخر إن خاف؛ قيل له: لا تخَفْ، فالمسلم لا يخاف...
وغيره إن فرح فعبَّر بكلماتٍ ممزوجةٍ بفرحه نَهَرَهُ مَنْ حضَرَ أن احتشِمْ...! وغيرها من المواقف التي يُساء فيها التوجيه الانفعالي، مما ينتج عنه ارتباك عاطفي عند الطفل، وعدم معرفة كيفية التصرُّف مع شعوره، ومن النتائج السلبية التي سيجنيها مَن يسلك مثل تلك المسالك تزعزعُ الثقة النفسية بين المربّي والطفل، وعندما يكبر لن يعبّر عن انفعالاته الوجدانية لمربيه، ولكنّه سيلجأ إلى آخرين.
فيا أيها المربّي وأيتها المربّية..
إنّ الطفل من سِنِيِّ عمره الأولى يملك مشاعر وأحاسيس مرهفة، ويتفاعل معها بطريقةٍ فطريةٍ من غير فهمٍ لأغوارها، ولكنّه يعبِّر عما يشعر، فلا تكنْ أداةَ تضليلٍ له فتدخله في سرداب ضياع النفس...
وإليك هذه النقاط لتساعدك في توجيه انفعال طفلك الوجداني من غير أن تؤذيه:
- اتركه يعبِّر عن انفعاله مهما كان.
- لا توجِّهْ ولا تنتقد ولا تُسَخِّفْ من شعوره.
- عزِّز سلوكه إن كان إيجابياً بالمدح والثناء.
احضنه في حال كانت أفعاله سلبية، فالطاقة الإيجابية تدفع الطاقة السلبية.
- أثْنِ عليه (أنت ابني المميّز مثلاً)، ثم نبِّهْه إلى الخطأ في السلوك؛ وليس في ذاته.
- تحدّث إليه وحاوره مهما صَغُر سنّهُ؛ وإن كنت تظنُّ أنّه لا يفهم ما تقول؛ فإنّه يُدرك المقصد من خلال تعابير الوجه.
واعلم أنّ ما ستنساه من مواقف حدثت سينطبع في ذاكرته وسيؤثّر في حياته، فاحرص أن يكون الأثر طيباً.
- أظهر له حبَّك في جميع الأحوال، فالحُبُّ رسولٌ مؤثّرٌ في نفسه.
التوجيه الانفعالي للطفل هو مفتاح تقديره لذاته ورفعٌ لثقته بقدراته ومهاراته، وهو ما يرتقي به لينطلق في فضاء الحياة، وتثمر شجرته يوماً ما بعد أن كانت غرساً صغيراً
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة