تفاءلي بالحياة
عجيب مزاج الفتيات: كلما تعسر عليهن أمر تكدرن ولفهن اليأس، ورحن يشتكين من الدنيا، وقد يتمنين الموت لأوهى الأسباب! أوليس حالهن غريباً وهن المقبلات على الحياة، والمستقبل الواعد بانتظارهن؟!
وأعجب من حال الفتيات حال البنات الصغيرات حين يتذمرن من قسوة الحياة وبشاعة الدنيا؟!
أليس باكراً على مشاعر الحزن؟ فعادة يشتكي من الدنيا الشيخ الكبير والفقير المعدم والمريض الذي لا يرجى شفاؤه، أما الصغار فيضجون بالحيوية ويملؤهم التفاؤل.
فما السبب في نمو المشاعر السلبية؟ وكيف يمكن التخلص منها؟
إنه من الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون (من الفتيات وغيرهن) أنهم يشعرون بالحزن الشديد والأسى العميق كلما صادفتهم بعض المصاعب أو مر بهم طيف من البلاء، فأغلب الناس وضعوا في اعتقادهم أن الحياة يجب أن تكون رائعة، أو أنها لابد أن تكون كذلك في يوم قريب، فهم يتأملون بحياة ملؤها السعادة والهناء. والحقيقة أن ذلك لم يكن ولن يكون أبداً، وعندما نقع في هذا الاعتقاد الخاطئ، فإننا نقضي الكثير من الوقت نشكو ونتذمر من كل شيء لا يأتي على هوانا.
في الواقع الدنيا لا تعطينا ما نشتهي ولو كان خيراً، ولا تجري على إرادتنا ولو سعينا لغايتنا باجتهاد حثيث، وهذه الحقيقة الناصعة نعرفها وإنما نتجاهلها في غالب الأحيان! ولكن قد ندرك شيئاً من حكمة الله في المنع والعطاء ونتفهم الأسباب، فمثلاً:
1- ما يتمناه الإنسان من العطايا والمناصب يتمناه غيره، ويستحيل حصول الجميع على أمنيتهم (لأن العدد محدود في القوانين الدنيوية): كأن تتمنى كل طالبة الحصول على منحة دراسية في جامعة عريقة، والمنحة لواحدة فقط، فإذا فازت طالبة خسرت سائر الطالبات أمنيتهن وحرمن منها.
2- وأحياناً تتعاكس الأمنيات، كأن يتمنى الشاب الهجرة ليتلقى مرتباً أكبر ويكره والديه فراقه ولا بد من أن يرضى طرف ويسخط آخر، فتكون سعادة الابن تعاسة لوالديه والعكس…
3- والله سبحانه بحكمته وعدله جعل لكل شخص نصيباً من طيبات الحياة الدنيا وخيراتها وله نصيب من أسقامها، وعليه الرضا بالاثنين معاً (مهما كانا) لأنهما قدره المحتوم ولا مناص منهما.
4- الحياة يقترن فيها الخير بالشر واليسر بالعسر والسعادة بالتعاسة، إنها هكذا وهكذا ولكن -ولكي تكون لها قيمة في اختبار الناس وامتحانهم- تغلب المعاناة عليها. وقد سئل ابن حنبل: “متى يجد المؤمن طعم الراحة؟” فقال عند أول قدم يضعها في الجنة”. وسمع رجلاً يقول لصاحبه: “لا أراك الله مكروهاً”، فقال: “كأنك دعوت على صاحبك بالموت، إن صاحبك ما صاحب الدنيا فلا بد أن يرى مكروهاً”.
فلا سعادة خالصة في الدنيا، ولا حياة بلا منغصات.
رغم ذلك لا تخافي ولا تيأسي! فمازال في الدنيا الكثير من الخيرات والطيبات، ولا بد أن تجدي بينها ما يسعدك ويرضيك، ألم تقرئي قول النبي: “الدنيا حلوة خضرة”، فالدنيا تبقى جميلة وفيها الكثير مما يمتع وينسي ويسلي من جمال الطبيعة ومن معاشرة الطيبين ومن الزواج والولد واللباس والطعام وممارسة الهوايات… فدعي الحزن وتمتعي بأنعم الله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن